ماذا تقول يا صاحبي من الماء... إلى الماء

■ أسمعك «تبرير» وكأنك تخاطب نفسك... أرجو ألا يكون بينكما سوء تفاهم أو مشاكل عصية على الحل.

■■ لا... ليس بيني وبين نفسي أية مشكلة... وإنما المعاناة هي من المشاكل (الناتجة) عن العلاقات المتبادلة بين أجهزة الدولة والمواطنين، وبخاصة من طرف الدولة التي تبني علاقاتها مع مواطنيها ـ في غالب الأحوال ـ بعيداً عن تطبيق القوانين والأسس التي ضمنها الدستور، والمعروف أن عدم الالتزام بهذه القوانين «من الدولة أو من المواطن» هو الذي يؤدي بهذه العلاقات إلى أن تتشوه أكثر وأكثر يوماً بعد يوم.

■ لقد أثرت فضولي وظنوني... فأفصح عما تريد قوله بوضوح وجلاء.

■■ حسناً سأوضح الأمر الذي ملأ نفسي هماً وغماً، وكنت أود تصويره، وعلى كل حال يمكنك تصوره إذا ما قرأت فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف أو الضريبة، فإلى جانب أثرها المادي والنفسي على المواطن جراء ارتفاع أرقامها المستمر الذي يجعل حلوق وصدور أصحاب الدخل المحدود تغص بمرارة الواقع القاسي، ولا يجدون «تبريراً» لهذه الارتفاعات الظالمة... وفوق ذلك فهناك ما هو أدهى وأنكى فكل فاتورة تحمل بند «رسم صيانة العداد أو الساعة أو...» وهو بند دائم ساري المفعول.

■ هذا أمر طبيعي... فما الغرابة في ذلك؟!

■■ الغرابة يا صاحبي... هي أنك عندما يتعرض عدادك أو ساعتك أو حظك لعطل من الأعطال مطالب بدفع تكلفة الإصلاح، وهذا ما جرى معي اليوم وأجعلني كما تقول (أبربر).

■ هات حدثنا عما جرى معك.

■■ قبل يومين لاحظت أن عداد الماء يسرب قطرات متتابعة فسارعت إلى المؤسسة طالباً إصلاح العطل، فقيل لي: «فك العداد وأحضره لفحصه، وبالفعل قمت بعد إغلاق (الأكرة) بفك العداد وحمله إلى القسم المختص الذي فحصه ثم (أصلحه) باستبداله بعداد جديد ترتب عليه المبالغ التالية:

- 1000 ل.س تأمين عداد، علماً بأن العداد السابق مؤمن عليه.

- 300 ل.س أجرة تركيب عداد، علماً بأنني أنا من فك وركب العداد

- 250 ل.س نفقات إدارية

- 100 ل.س فحص عداد

- 10 ل.س طابع

- 1660 ل.س المجموع إضافة إلى ثمن طوابع أخرى ثلاثين ليرة صارت خمسين!!

وتريدني ألا أبربر متضجراً ومهموماً!!

■ مادام حديثنا عن الماء فاسمع التكملة من عندي:

في مقابل ما ذكرت من معاناة المواطن، هناك (مواطنون) لا يتوانون عن ارتكاب المخالفات الصريحة أمام عيون المحافظة ودوائر الخدمات فهم يملكون (الدريئة) التي تقيهم المسائلة، وهذا بدوره يدفعهم إلى التطاول على الأنظمة والضوابط... ألست ترى مخالفات البناء في شوارع رئيسية في المدينة تنفذ رغم شكاوى الجيران جهاراً نهاراً وإليك المثال (الطازج) الآتي:

لأحدهم منشأة صناعية قديمة متهدمة وطبعاً متوقفة عن العمل منذ زمن بعيد وهي تقع ضمن منطقة البساتين المستملكة لتبقى حديقة عامة، بادر مالكها وحولها بين عشية وضحاها إلى منشأة سياحية ولأن المنشأة لا يسمح لها بعداد ماء، قام صاحبها بمد أنبوب (بيربيش) من بيته إلى منشأته.

■■ هذه مخالفة بسيطة لا تستوجب مثل هذا الشرح الممل.

■ المخالفة ليست بسيطة كما تتصور ولتدرك حجمها الفعلي.

عليك أن تعرف أن المنزل يقع ضمن منطقة سكنية منظمة تبعد عن المنشأة أكثر من كيلومتر... وأن الأنبوب (سار) في مجرى حفر عبر الأرصفة والطرق الفرعية والأدراج العامة ومن ثم عبر الأتوستراد من جانب إلى جانب ليتابع مساره ضمن منطقة البساتين وصولاً إلى المنشأة العتيدة وفي وضح النهار.

والسؤال: ما الذي أدى إلى هذا التطاول والاستهتار... أليس الرشوة والمحسوبية والفساد والإفساد؟ فماذا تقول يا صاحبي؟

 

■ محمد علي طه