هشام الباكير هشام الباكير

من التراث من هو «قراقوش»؟

كلما أراد الناس أن يضعوا حكماً بالجور والظلم والفساد قالوا: هذا حكم قراقوش وقراقوش تعني باللغة التركية (النسر الأسود). وقراقوش له صورة تاريخية حقيقية صادقة مختلفة تماماً عن صورته المعروفة السيئة التي روّج لها أعداؤه، والغريب أن صورته الحقيقية طمست تماماً وبقيت الصورة المزوّرة، فمن هو قراقوش؟!

هو أحد قواد البطل العظيم صلاح الدين الأيوبي، ومن أخلص معاونيه وكان مهندساً حربياً بارعاً، وكانت الأمثال تضرب في أمانته، ولمّا أحسّ الفاطميون بقرب زوال ملكهم بدأوا يحملون الكنور والحلي النادرة مما تكدّس في قصورهم خلال قرون، فوكل صلاح الدين الأيوبي قراقوش بحفظ القصر وكان في القصر من الجواهر والكؤوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب، ما لا مثيل له في الدنيا، إضافة للعرش الفاطمي الذي كان فيه من أرطال الذهب والياقوت ما لا يقوّم بثمن، وفي القصر أيضاً مئات الجواري من كل أمم الأرض، ومع هذا فلم يُمس مال ولا جمال ووفى الأمانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئاً ولا ترك أحداً يأخذ منها شيئاً، وإليه يعود الفضل في إنشاء القلعة العظيمة على المقطم، وبنى سور القاهرة وعندما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت الحرب أن تعصف بهم، أصلح بينهم قراقوش، ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور، وكان صبياً في التاسعة من عمره، جعل الوصي عليه «قراقوش» فكان الحاكم العادل و الأمير الحازم ومصلح العباد والبلاد.
ولكن السؤال: من الذي شوّه صورة قراقوش؟؟
 إنه الكاتب «ابن ممّاتي» الأديب البارع وطويل اللسان والذي كان موظفاً في ديوان صلاح الدين وكان جميع القادة يخشونه ويتملقونه بالود والعطاء.
لكن قراقوش الذي لم يعرف المداراة أو الملق بسبب شخصيته العسكرية الصارمة، لم يخش شرّه، فألف «ابن مماتي» رسالة، سماها «الفافوش في أحكام قراقوش» افترى بها على قراقوش فصدقها الناس ونسوا التاريخ، مات قراقوش الحقيقي وعاش قراقوش المزيّف والوهمي