المسموح والممنوع في الدراما التلفزيونية هل يتم تجاوز قائمة الممنوعات؟؟
إن السياسات الثقافية في البلدان العربية هي جزء من السياسة العامة التي تنطلق من مبدأ المحافظة على السلطة وتكريس مقوماتها بهدف إلغاء الآخر المختلف وتحقيق مكتسبات على كافة الصعد.
ومن هنا فإن معظم السلطات تستعين بمثقفين يعبرون عنها من أجل نشر رؤاها وثقافتها، إلى أن تتحول هذه الرؤى وتلك الثقافة إلى قانون عام، من يخرج عنه يخرج عن الأصول الثقافية المتعارف عليها ويصب نتاجه في قائمة الممنوع.
في المجال الفني الدرامي العربي عموماً تتجلى بوضوح السياسات الثقافية السائدة، فليس من قبيل المصادفة تجنب هذه الدراما معالجة القضايا القومية الكبيرة والصراعات المختلفة، وخصوصاً الطبقية، التي تمتد على كامل جسد الوطن..
قد يتواجد مصادفة عمل هنا وعمل هناك، ولكن بالمجمل يدفع هؤلاء ثمن خروجهم عن المألوف، وذلك بوقف توزيع العمل وبقائه مكدساً على الرفوف كما حدث مع المسلسل التلفزيوني السوري (الشتات).
من يفرض سياسته؟
من المسلم به أننا كعرب لا توجد لدينا سياسة ثقافية موحدة، وتعتبر الثقافة الإسلامية هي الجذر المشترك ولكن مع الاختلاف في الرؤية والتعاطي بين بلد وآخر.
ومن هنا كانت قائمة الممنوعات مختلفة ومتعددة تبعاً لانفتاح هذا المجتمع أو ذاك وتبعاًَ لسياسته وتوجهاته المختلفة وتبعاً لما يرتضيه المشتري.
الإنتاج العام يرتبط بشكل كلي بسياسة بلده وقائمة ممنوعاتها، أما الإنتاج الخاص فيرتبط بجميع قوائم الممنوعات المطروحة لأن هدفه هو بيع المنتج لأكبر عدد ممكن من المحطات.
قائمة الممنوعات:
يشير المخرج والناقد السينمائي فاضل الكواكبي إلى قائمة طويلة من الممنوعات تأرجح تطبيقها بين عام وآخر وبين رقيب وآخر حسب الظرف السياسي العام، وكان أول ظهور رسمي لقائمة الممنوعات في سورية هو عام 1960، طبعاً كان المنع موجوداً وبوفرة قبل هذا العام، لكن مع ظهور وزارة الثقافة أصدرت القانون- 409- وهو أول قانون للرقابة على المصنفات الفنية، وبقي هذا القانون سارياً حتى عام 1974حيث جرت عليه بعض التعديلات الشكلية.
القانون يتمتع بقدر كبير من العمومية ويمكن تجييره لمصلحة الرقيب ببساطة.. على سبيل المثال يقول القانون بمنع عرض الأفلام عندما يتبين بوضوح أنها تثير «النعرات الجنسية أو الطبقية»، و«تستهين بالروابط العائلية»، و«تتضمن إثارة للغرائز الجنسية»، و«تتنافى موضوعاتها مع أخلاق الشعب العربي وتقاليده».
بناء على هذا القانون حجب عن العرض الكثير من الأفلام والمسلسلات إلا أن ممارسته مرت بمراحل متباينة ففي فترة الستينات ساد جو من التساهل وتحديداً في موضوع ظهور المرأة والتعري والجنس، وفي نهاية السبعينات وحتى الآن تحول هذا التساهل إلى تشدد كبير يعود سببه الرئيسي إلى المد الديني والأصولي الذي اجتاح عالمنا.
وهذه قائمة صغيرة بمجمل ما رصده الناقد فاضل الكواكبي وما لمسته من خلال متابعتي للأعمال الفنية، وهذه الممنوعات ليست جميعها رسمية، بل يعتبر معظمها ممنوعات خليجية, وسعودية تحديداً. وانطلاقاً من حرص المنتج السوري على تسويق عمله فهو يحاول الالتزام بها قدر الإمكان.
- منع تقبيل ومعانقة أي ممثل لممثلة، بغض النظر عن صلتها به في العمل سواء كانت أخته أو زوجته أو أمه ....
- منع إغلاق باب البيت في مشهدٍ تجتمع فيه المرأة بالرجل.
- منع مشهد تواجد الزوجين في الفراش.
- منع التدخين، وتناول الكحول، ومشاهد الاحتفالات بكافة أشكالها دينية أو غير ذلك..
- منع مشاهد عقد القران التي يتم بها أخذ موافقة العريس والعروس، والاكتفاء بجزء من المشهد حتى لا يعتبر العقد سارياً!!
- منع الحديث عن الجنس أو السياسة أو الدين بما لا يتوافق مع الفكر السائد..
- منع الحديث عن الطبقات والعدالة الاجتماعية أو الجريمة المنظمة..
- منع التعرض لرجال الدين أو القيادات الوظيفية أو أجهزة الدولة..
الهروب من مقص الرقيب
معظم ما ذكرناه من ممنوعات لم يطبق بتفاصيله، بل كان التعامل مع المنتج الدرامي رهن بالفترة الزمنية والثقافة المهيمنة ومزاجية الرقيب وثقافته، ففي فترات متباعدة كان ينشط مقص الرقيب ومنعت عدة عروض سينمائية ووثائقية وتلفزيونية نذكر منها:
السد- لهيثم حقي، و(المويلح) و(الدجاج) لعمر أميرلاي و(فرات) لمحمد ملص
الأفلام روائية: وكانت تحجب لسنوات مختلفة حسب رغبة الرقيب منها:
(السيد التقدمي) لنبيل المالح، (اليازرلي) لقيس الزبيدي، و(نجوم النهار) لأسامة محمد، و(اللجاة) لرياض شيّا..
أما في الدراما التلفزيونية فقد أوقفت عدة أعمال منها:
مسلسل (ألوان وظلال) لهاني الروماني وغيرها من الأعمال التي رأى فيها الشارع مساً بتقاليده .
وبشكل عام جهد المخرجون والكتاب على الالتفاف على الرقيب بأساليب مختلفة منها: الإسقاطات المتنوعة عبر شخصيات تمثل دولاً أو اتجاهات سياسية معينة، أو عبر الفنتازية أو المسلسلات التاريخية وسواها من الأساليب التي يستطيعون تقديم الفكرة عبرها دون مباشرة ودون الوقوع في فخ الرقابة.
لا شك أننا اليوم بألف خير قياساً بفترة الثمانينات، فهناك الكثير من الممنوعات تم تجاوزها مثل: التدخين ومشاهد الاحتفالات وغيرها، إلا أن الكثير ما زال باقياً ومرسخاً في ذهن صناع الدراما أنفسهم، فهم يمارسون رقابة صارمة على أنفسهم قبل أن يخرج العمل إلى النور، وذلك إما تحقيقاً لرغبة المشتري الخليجي، أو لأن رواسب الماضي ما زالت عالقة في أذهانهم وتحتاج لمزيد من الوقت حتى تمحي وتزول.
الدراما السورية رغم قفزتها النوعية في السنوات الأخيرة، إلا أنها تخضع أكثر من غيرها لشروط الرقابة، فنحن لا نذكر أعمالاً تناولت الحرب الأهلية اللبنانية أو تطرقت للوضع العراقي أو لأي أزمة مرت بها الأمة، وهذا نابع من خوف الرأسمال الدرامي من دخول مثل هذه المغامرات التي تختلف قراءتها من دولة إلى أخرى، وبالتالي يؤثر هذا الوضع على تسويق المسلسل عربياً، هذا إذا لم يؤد إلى احتجاج من بعض الجهات المتضررة؟.
الدراما مرآة
والدراما التلفزيونية هي مرآة لهموم المواطن تعكس حياته وتطرح مشاكله المختلفة.
هذه الجملة تردد دائماً على شاشتنا، والأجدر أن يقال إن الدراما التلفزيونية هي مرآة لرغبات المشتري وأفكاره.
مرآة لا تظهر فيها الصورة إلا ناصعة تتحرك داخلها ملائكة على شكل بشر: لا يدخنون ولا يحتسون الكحول ولا يعتدون على بعضهم ولا يمارسون الجنس ولا يحتفلون. لا أدري إذا كان هؤلاء بشراً فعلاً؟؟!