جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

«بوبّوس»: الأنفاس الأخيرة لعادل إمام

يقول المثل الشعبي: «اللي ماله كبير ماله تدبير.. وإذا ضل الكبير فلا عتب على الصغار». هي مقاربة ننطلق منها لما يرتكبه اليوم «الزعيم»، وأمير جمهورية الضحك والكوميديا العربية على مدى عقود وسنوات طويلة، ودون منازع يرقى إلى مستواه «عادل إمام»،

وهو الذي وصل إلى هذه المكانة بجدارة واقتدار المبدع الموهوب الذي قدر أن يطبع في ذاكرة أجيال كاملة الكثير من الاسكتشات الفيلمية والمسرحيات الكوميديا الساخرة الناقدة، من«مدرسة المشاغبين» وتسليطها الضوء على  وضع شريحة الشباب، ومشاكلها وهمومها، وعقدة التدريس والثانوية العامة، إلى «شاهد ما شفش حاجة» والمواطن البسيط البعيد عن هموم الحياة وتعقيداتها، إلى «الواد سيد الشغال» ووضع الطبقة المسحوقة في مصر، إلى رائعته «الزعيم» وما علقت به على نظرية الحكم والحاكم العربي وإفرازاته وارتباطاته، وصولا إلى «بودي جارد»، وما تخلله تاريخه العريق من كثير الأفلام الجريئة والقوية الطرح والمقاربة للكثير من الأمور الحساسة السياسية والاجتماعية، كفيلمه الذي يعد بصمة بحق «إحنا بتوع الأتوبيس»، أو «سلام يا صاحبي»، أو «اللعب مع الكبار»، وحتى المسلسلات الوطنية «دموع في عيون وقحة» .

ولكن وفي السنوات الأخيرة بتنا نشهد تغيراً جذرياً في سيرة الرجل ومواقفه الشخصية والسياسية، وحتى الفنية. فبعد فيلمه الرائع «أمير الظلام»، أخذ الزعيم بالتراجع والتدهور في مستوى أفلامه وطروحاتها، فهو لم يعد يعمل طبقاً لقانون شباك التذاكر وحساب الإيرادات وحسب، بل كمنفذ لبرامج السلطة، دون سؤال عن المضمون أو رسالة الفيلم، وهو ما أوصله إلى تقديم صورة لا تليق بإرثه أو بفنه الجميل، وما أوصل بالتالي الكثير من أفلامه الجديدة إلى درجة الإسفاف والتهريج، وتسطيح القضايا وتمييعها في إطار النكتة والضحكات كفيلم «السفارة في العمارة»، أو فيلم «مرجان أحمد مرجان»، أو فيلم «حسن ومرقص» الذي يسجل له تناول قضية الفتنة الطائفية، ولكن ليس بالجرأة والشجاعة المرجوة من فنان بحجمه قدم سابقاً ما هو أعظم وأقدر.

ومع نزول فيلمه الأخير«بوبّوس» (للمؤلف يوسف معاطي والمخرج وائل إحسان) إلى دور العرض، والذي قيل إنّه يتناول قضية الأزمة المالية العالمية، وما أرخته بظلال على الحياة العامة من منظور حياة رجال الأعمال الخاصة، إذ يصور انتحار وجنون عدد من رجال الأعمال نتيجة خسائرهم المادية الفادحة. تأمل المشاهد أنه على موعد مع عمل من الطراز الرفيع لنجم بحجم إمام الذي عرف عنه تصديه الجريء لأعقد القضايا الحساسة، لنفاجأ بفيلم أقل ما يقال عنه إنه: «نكتة طويلة مبتذلة».. بمزيج من الاسكتشات الضاحكة المكررة والتي شاهدناها في أفلام سابقة لإمام «بخيت وعديلة» (الجزء الأول)، والكثير الكثير من المشاهد الساخنة إلى حد الابتذال والإسفاف، وان كان مطعماً بالعديد من اللطشات السياسية الساخرة للتغطية على ضعف السيناريو وغياب البعد الدرامي (كاستنساخ مشهد قذف بوش بالحذاء).

فالفيلم لا يعدو كونه فيلماً ساخراً يحاول إمام أن يعود من خلاله إلى تقديم الحلول الغريبة العجيبة للمشاكل الكبرى، حيث يصور هو والمؤلف يوسف معاطي، حل الأزمة بـ«الفياغرا» ومفعولها السحري، وهو ما يعيد إلى الأذهان حله الغريب في فيلم «النوم في العسل» حين كانت الصحراء هي حل مشكلة الضعف الجنسي، ولكن مع الفرق الشديد بين مستوى الفيلمين وطريقتي الطرح، فالنوم في العسل فيلم جميل ومسبوك القصة بكل تفاصيله ومشاهده الكوميدية ومعالجته الجادة لقضيته. أما «بوبّوس» فقد أثار الكثير من السخط وخصوصاً النقد الممكن توجيهه للفنانة يسرا، صاحبة الإرث العريق، والتي تظهر بمشاهد تتماهى فيها مع ممثلات الإغراء والستربتيز. مشاهد مستفزة ومبالغ فيها حتى أعلى الحدود. وهنا يجب تسجيل الثناء على الأداء المبدع للفنان أشرف عبد الباقي في دور الشاب المكافح الذي يكد من اجل تأسيس أسرة.

«بوبّوس» خيبة أمل بكل المقاييس، ونكسة كبيرة لفنان عملاق لطالما انتظرنا أفلامه وتعبيره عنا وعن الجميل في حياتنا، فمن ينسى حين يقول في مسرحية الزعيم «خدوا كل الي انتو عايزنو بس سيبو الأطفال تعيش يمكن يقدروا يعملوا حاجة».

ولكن «بوبّوس» ورغم ما سبقه من تهريج كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت السكوت على أعمال هذا الفنان غير ممكن، مع الاحترام الشديد لتاريخه العريق الذي يبدو أنه أضاعه في منافسة نجوم الشباك الجدد، أم أن للرجل رؤية جديدة بدأت تظهر تبعاتها في أعماله كما في تصريحاته ومواقفه السياسية