عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

دردشات القمع الديمقراطي

فتح الباب لصديقه الذي دخل وحياه:

- مساء الخير..

- بل قل صباح الخير، اجلس، زيارتك في هذا الليل المتأخر أقلقتني، عسى الأمر خيراً؟

- أنت الذي تسببت في قلقي، لقد جفاني النوم وأنا أقلب الرأي والفكر،في التسمية الجديدة التي أطلقتها على الأنظمة القمعية، دون أن أصل إلى حل لها.

- أية تسمية تقصد؟

- بالأمس ذكرت (أنظمة القمع الديمقراطي) فكيف يمكن لهذين النقيضين أن يتآلفا في تسمية واحدة؟

- اسمع إذن، منذ أكثر من ربع قرن، لم يعد بإمكان الأنظمة القمعية، أن تمارس دكتاتورية مكشوفة على غرار فرانكو وبينوشيت وسوهارتو، لأنها ستتعرض لغضبة شعوب العالم ومضايقاتها واحتجاجاتها، ومن أجل تجنب ذلك تلجأ إلى تغطية مخالبها الدموية بقفازات مخملية.

- أخي. . . خذني على قدر وعيي، وفسر لي عملياً كيف يمكن التزاوج بين شيطان وملاك؟

- طيب، خذ مثلاً دساتير الأنظمة القمعية، تجد طابعها الغالب ديمقراطياً تكفل حرية الرأي والعقيدة وسائر حقوق الإنسان، لكنها معطلة مشلولة بفرض قانوني الطوارئ والأحكام العرفية وذيولهما.

- وضح لي أكثر..

- إن هذين القانونين، يزودان المسؤولين الكبار وأجهزتهم الأمنية بصلاحيات استثنائية واسعة، يتحكمون بواسطتها برقاب الشعب حسب هواهم ومصالحهم. فيعتقلون من يشاؤون، يعرضونهم للتعذيب يزجونهم في غياهب السجون سنة، سنوات، عشرات، هم يقدرونها، وأهالي المعتقلين لايعرفون شيئاً عن مصيرهم. ونتيجة ضعف وانعدام الرقابة، يعم الفساد في مختلف فصائل الدولة، وتتكرس قاعدة عامة، تبيح لكبار المسؤولين وأزلامهم نهب خزينة الدولة والقطاع العام، وابتزاز الشعب، ويصبحون أصحاب قصور ومزارع ومشاريع، ومن أجل المحافظة على مواقعهم يعمدون إلى كتم أنفاس الشعب ومراقبة تحركاته، ببث العيون ودسهم في كل تجمع وتنظيم، نقابي ورياضي وجمعيات وأحياء، بتعيين المخاتير، ويربطون كل توظيف وبحث عن وظيفة وعمل بموافقات أمنية.

- وأين القضاء؟

- هذا أيضاً ينخره الفساد، ويفقد استقلاليته وتصبح أحكامه خاضعة لأوامر المتنفذين، أو الانطلاق من مبدأ: الحق لمن يدفع أكثر.

- والبرلمانات ودورها؟

- إنها في هذه الدول تتحول من مراقب ومحاسب لسياسة الحكومة، إلى تابع لها (معاهم معاهم، عليهم عليهم) لأن أغلبية أعضائها مدينون للسلطة بنجاحهم، في انتخابات معروفة نتائجها قبل إجرائها.

- وماذا عن الأحزاب ومبادئها وبرامجها؟

- الأحزاب النظيفة وصحفها غير مرخصة فيها، أما الأخرى فقد أصبحت أبواقاً تمجد كل خطوة تصدر عن السلطة، لقاء ماتناله من مناصب ومكاسب وامتيازات، فخلفت بذلك مبادءها وبرامجها ووعودها للشعب وراءها، وباتت جزءاً من السلطة.

- وحول النقابات والمنظمات الشعبية؟

- يتدخلون في انتخابات هيئاتها من أدناها إلى أعلاها، وتتحول بالامتيازات التي تغدق عليها إلى طبقة فوق طبقة العمال، وتتكلم باسمهم ولاتنفذ إرادتهم، وكما تفعل السلطة مع النقابات، تنفذه مع جميع المنظمات الشعبية والنوادي واللجان الطلابية والنسائية..إلخ. وهكذا ترى أن هذه الأنظمة هي ديمقراطية شكلاً وقمعية مضموناً، هل اقتنعت الآن؟

- بقي لدي سؤال: هلا ذكرت لي أسماء الدول التي تنطبق عليها هذه المواصفات؟

- إلى هنا وبس، سؤالك عدائي، تريد أن تورطني؟