من التراث في الجود والكرم والايثار
من أعطى البعض وأمسك البعض فهو صاحب سخاء ومن بذل الأكثر فهو صاحب جود، ومن آثر غيره بالحاضر وبقي هو في مقاساة الضرر فهو صاحب إيثار.
1ـ فمن الإيثار ما حكي عن حذيفة العدوي أنه قال:
انطلقت يوم اليرموك اطلب ابن عم لي في القتلى، ومعي شيء من الماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به بين القتلى، فقلت له، أسقيك فأشار إلي أن نعم، فسمع برجل يقول آه، فأشار إلي ابن عمي أن انطلق واسقه، فإذا هو هشام بن العاص، قلت أسقيك فأشار إلي أن نعم، فسمع آخر يقول آه، فأشار إلي أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
2ـ ومن عجائب ما ذكر في الإيثار:
ما حكاه أبو محمد الأسدي قال: لما احترق المسجد (بمرو) وظن المسلمون أن النصارى أحرقوه، فأحرقوا خاناتهم، فقبض السلطان على جماعة من الذين أحرقوا الخانات، وكتب رقاعاً فيها (القطع والجلد والقتل) ونثرها عليهم، فمن وقع عليه رقعة فعل به ما فيها، فوقعت رقعة فيها القتل بيد رجل، فقال: والله ما كنت أبالي لولا أم لي، وكان بجنبه بعض الفتيان، فقال له: في رقعتي الجلد وليس لي أم، فخذ أنت رقعتي وأعطني رقعتك ففعل، فقتل ذلك الفتى وتخلص هذا الرجل.
3ـ قال علي بن أبي طالب (رض):
ما جمعت من المال فوق قوتك، فإنما أنت فيه خازن لغيرك.
4ـ ومر يزيد بن المهلب عند خروجه من سجن عمر بن عبد العزيز بعجوز أعرابية فذبحت له عنزاً فقال لابنه: ما معك من النفقة؟ قال: مائة دينار، قال: ادفعها إليها، فقال: هذه يرضيها اليسير وهي لا تعرفك، قال: إن كان يرضيها اليسير فأنا لا أرضى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.
5ـ خرج عبد الله بن جعفر يوماً إلى ضيعة له فنزل على حائط به نخيل لقوم، وفيه غلام أسود يقوم عليه، فأتى بقوته (ثلاثة أقراص) فدخل كلب فدنا من الغلام فرمى إليه بقرص فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت، قال: فلما آثرت هذا الكلب، قال: أرضنا ما هي بأرض كلاب، وإنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أرده، قال: فما أنت صانع اليوم؟ أطوي يومي هذا، فقال ابن جعفر: أؤلام على السخاء؟ وإن هذا لأسخى مني، فاشترى الحائط وما فيه من النخيل، واشترى الغلام، ثم أعتقه، ووهبه الحائط بما فيه، فقال الغلام: إن كان ذلك لي، فهو في سبيل الله تعالى، فاستعظم عبد الله ذلك منه، فقال: يجود هذا وأبخل أنا، لا كان ذلك أبداً.
■ إعداد: الشيخ الشيوعي هشـام الباكير