هيئات مسرحية خلبية ومهرجانات دعائية... إعلامية زائفة

لا أدري لماذا يرتاب البعض من وضع المسرح لدينا؟ شكوى من الفنانين، تذمر من النقاد، انصراف من الجمهور..
لماذا أصبح المسرح يجلد في كل حين حتى أصبح  كظهر بلال (رضي الله عنه) لماذا كل هذا؟ إننا نملك هيئات مسرحية نحسد عليها، بل ولاتحلم بها أكثر الدول تقدماً وحضارة. نعم وبكل تواضع لدينا ـ بعد الصلاة على النبي ـ مديرية المسارح والموسيقا بمؤسساتها المختلفة، القومي والجوال والعرائس ـ دار الأوبرا ـ المسرح العمالي ـ المسرح العسكري ـ المسرح الحر ـ المسرح المدرسي ـ المسرح الجامعي ـ مسرح الشبيبة ـ مسرح الطلائع ـ الفرق الخاصة.
يخزي العين!! كل هذا والبعض يشتكي ويشكك في أن  حصة الفرد السوري من الثقافة المسرحية لاتتعدى الواحد بالمئة، أو ربما أقل! بل ويضيفون، أن معظم هذه  الهيئات ـ  ما عدا مديرية المسارح ودار الأوبرا لاعلاقة لها بالمسرح، ولاينتمي إليها المسرحيون.

من يعمل بهذه الهيئات؟ مديرية المسارح والموسيقى
الهيئة الوحيدة ـ  إضافة إلى دار الأوبرا ـ التي احتوت المختصين في مجال المسرح ممثلين مخرجين، فنيين.
إلا أن معظم العاملين فيها لايعرفون منها سوى غرفة المحاسب، يتقاضون رواتبهم في نهاية كل شهر وينصرفون إلى التلفزيون أو  الإذاعة أو غرف الدبلجة.
أما مايعرف بالمسرح الجوال فلم يبق من هذه الهيئة إلا الاسم فقط والمناصب الإدارية. وإذا انتقلنا إلى  مسرح العرائس تتبدى المصيبة لنا بشكل أكبر، فالمخرج الوحيد المختص بالعرائس هي (السيدة سلوى الجابري) وقد أحيلت إلى التقاعد منذ سنوات، والمخرج الذي تسلم إدارة هذا المسرح بعدها احتكر العمل لنفسه لعدة سنوات ومنع أي شخص من التسلل إلى هذه الهيئة. لكن مع التغيرات التي حصلت ومع استلام السيد محمد خير عليوي إدارة هذا المسرح توقعنا إعادة الحياة لمسرح العرائس، لكن خاب ظننا فلم تختلف المعادلة كثيراً، فالسيد عليوي قام بخطوته الإصلاحية الأولى ووظف أفراد فرقته الخاصة في هذا المسرح ـ وهم بالمجمل غير مجازين بالمسرح ـ وتجاهل العاملين الأساسيين في هذا الحقل، ومعظمهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية وتعاونوا لسنوات مع مسرح العرائس.
أما لماذا تم تجاهلهم، فهذا سؤال نطرحه على مديرية المسارح والموسيقا وعلى السيد محمد خير عليوي؟؟

المسرح العمالي
تسمية خلبية دون أي محتوى، إذ ليس له قوام إداري أو وظيفي، وإنما هو نشاط سنوي (مهرجان المسرح العمالي) يسبق الانتخابات النقابية ولا يوجد لدى الاتحاد العام لنقابات العمال أي شخص مجاز أو مختص بالمسرح، والمهرجان الذي يقيمه الاتحاد لايسبقه أي حالة إعداد أو استنفار أو حشد للطاقات والجهود وإنما هو يوم عمل طبيعي.. وعادي.
وعلى اعتبار أن الكادر البشري غير مهم ومغيب بشكل كامل عن هذه المؤسسة لايبقى منها سوى المباني المسرحية وهي المسرح العمالي الذي يقع في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال وصالة راميتا في بوابة الصالحية.
أما المسرح العمالي فقوام فني صوت وإضاءة وآذن وهو يؤجر بشكل دائم للفرق الخاصة.
أما صالة راميتا فقد أراح الاتحاد العام لنقابات عمال دمشق رأسه وأعطاها لمستثمر وهذا الأخير يؤجرها للفرق الخاصة والفرق الزائرة.

المسرح العسكري
وهو قسم تابع للإدارة السياسية وهيئة التوجيه المعنوي، وكان المسرح العسكري ركناً هاماً من أركان المسرح في سورية ومنافساً قوياً للمسرح القومي والمسرح الحر، إذ كان يضم نخبة من أهم فناني ومخرجي القطر، وكان يحرص أن يقدم نشاطين سنوياً، الأول هو «الثابت»  وهي مسرحية تعرض على صالة مسرح 8 آذار، و(الجوال) وهو حفل غنائي مسرحي منوع تتجول به فرقة المسرح على القطع العسكرية المنتشرة في أرجاء سورية وتقدم العروض على عربة خاصة.
أما كادره فهو من العسكريين الأصلاء ومن يؤدون الخدمة الإلزامية من الخريجين، أما المدنيون فيه فهم فرقة فنون شعبية وموسيقيون ومطربون وممثلون (بالخبرة).
في عروض المسرح العسكري لايوجد فصل للأنواع فأي شخص يعتلي الخشبة يصبح ممثلا ببساطة شديدة.
أما لماذا لايوجد أي خريج معهد في هذا القسم فهذا لا يثير استغرابنا لأن معظم الهيئات المسرحية في سورية لاتعتمد على المعهد بل تعتمد على القدر في تسيير أمورها.
والجدير بالذكر أن كثيرين من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية طرقوا باب المسرح العسكري للتعاون معه إلا أن الأبواب كما هي العادة أوصدت في وجوههم.

المسرح الحر
هي جمعية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ولدت عام 1956 على أيدي نجوم المسرح آنذاك (توفيق العطري، نزار فؤاد، عبد اللطيف فتحي، سعد الدين بقدونس، سامي الكسم، رفيق سبيعي)..
كان نشاط هذه الجمعية يمتد  على مدار العام، وكان لها جمهور واسع. وباعتبار أننا نسير نحو الخلف، لم تخالف هذه الجمعية المسير العام إذ تراجع نشاطها حتى أصبح لا شيء! وهي الآن عبارة عن مقر أشبه بكافتريا لشرب الشاي والقهوة ولعب الورق.
إدارة الجمعية يتم انتخابها كل عام والغريب أن الإدارات المتعاقبة على الجمعية فشلت في اكتساب خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية إليها لرفدها بالدماء الجديدة. بل إن بعض الإدارات تناصب الخريجين العداء وتعتبرهم فنانين مصنعين ومعلبين.

المسرح المدرسي
هو قسم تابع لوزارة التربية والتعليم، يفترض من اسمه أنه يعنى بالنشاط المسرحي إلا أن التسمية لاتطابق الفعل، فهو قد يعنى بأي شيء إلا النشاط المسرحي، وأتحدى من يقول إنه شاهد عرضاً مسرحياً تابعاً للمسرح المدرسي.
الشخص الوحيد المجاز في هذا القسم هو الزميل عصام عبد الرحيم مدير المسرح المدرسي ولا أظن من مسرح ينهض ويتطور على أكتاف شخص واحد.
إن وزارة التربية لاتعترف بالمسرح كعلم وكفن، ودليلنا على ذلك واقع مسرحها، ففي الوقت الذي تنشط فيه وزارة التربية في أكثر من دولة عربية لمسرحة المناهج في التعليم، تولي وزارة التربية لدينا ظهرها للمسرح، فهي لا ترى فيه تخصصاً علمياً بل نشاط فردي احتفالي، ولذلك تقيم دورات سنوية للمدرسين في التمثيل والإخراج ولاتتعدى مدة الدورة خمسة عشر يوماً، يتخرج بعدها المدرس برتبة ممثل أو مخرج. لا أدري لماذا وجد المعهد العالي للفنون المسرحية مادام تعلم التمثيل والإخراج سهل وبسيط ويتم بمدة لا تتعدى الخمسة عشر يوماً.

الطلائع ـ الشبيبة ـ الجامعي
مسرح الطلائع ولد مع ولادة المنظمة، وكان يقدم أنشطة فيما كان يعرف بمهرجانات الطلائع، وكان للمسرح النصيب الأكبر من هذه  المهرجانات، إلا أن نشاط هذا المسرح تراجع بشكل ملفت كما تراجعت جميع أنشطة هذه المنظمة، ولم يبق منها  إلا المبنى الذي يشير إلى اسمها، علماً أنه لايوجد في منظمة الطلائع أي اختصاص مسرحي، كذلك هو الحال في منظمة الشبيبة رغم أنها تقيم مهرجاناً سنوياً للمسرح، السؤال: هو كيف يقيمون هذه المهرجانات من دون العنصر البشري المختص؟ وهل هي مهرجانات حقيقية  فعلاً أم ظواهر دعائية وإعلامية؟
إن نظرة هذه المنظمات للمسرح قاصرة فهو بالنسبة إليها ليس فعالية ثقافية بحاجة إلى إنفاق ورعاية، بل هو جهد فردي يستطيعون ارتجاله بأقل التكاليف و دون أي اختصاصيين.
ولايخرج المسرح الجامعي عن هذه الرؤية فهو نشاط طلابي يعتمد جهد الطلبة وحماسهم للعمل دون تنظيم ورعاية.
مسرح بلا بشر
هيئات مسرحية بلا مسرح، ومسرحيون عاطلون عن العمل. معادلة غريبة لاتجدها إلا في بلاد الغرائب، حلها ليس معجزة وتفعيل تلك الهيئات الميتة ليس صعباً إذا   توافرت الإرادات.. نرجو ونحن في بداية عام جديد أن تغير الإدارات المعنية نظرتها عن المسرح وتوليه شيئاً  مما يستحقه، فالمسرح ليس ترفاً فكرياً بل هو علم وفن وجمهورنا يستحقه.. ويحتاجه..