دبكات، ودبّيكة!
عامر الحسن عامر الحسن

دبكات، ودبّيكة!

كما يحدث أثناء الاضطرابات الطبيعية، وتتخلخل عناصر الطبيعة، من أرض ومياه وغلاف جوي،  في ظروف الاضطراب السياسي أيضاً، يموج الحقل الاجتماعي، وتتصدع البنى القائمة، السياسية والاقتصادية، والثقافية، وتنهار، ويتقيأ القاع الاجتماعي كل ما تراكم في فترات السكون المقنّع، أو ما يطلق عليه مراحل الركود السياسي، ولعل أسرع نتائج الزلازل الاجتماعية تظهر عادة في الحقل الثقافي، وتحديداً في التموضع السياسي لبعض النخب الثقافية، الذي يتجلى بشكل كاريكاتوري، هزلي يدعو إلى الاشمئزاز، حيث الانتقال من مائدة إلى مائدة أخرى، ونقل البندقية من كتف إلى كتف، و«النطوطة» من خندق الى آخر، والاستدارة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين..

 

 

المواقف الزئبقية سمة شبه عامة في الوسط الثقافي عبر التاريخ، والتأرجح في المواقف كان وما زال إحدى خصائص العاملين بالحقل الثقافي، والنخبة من هؤلاء تحاول بما تمتلك من أدوات تأثير أن تبرر هذه الزكزاكية في مواقفها، وتوجد الذرائع التي تسوقها للرأي العام للتغطية على بنيتها القلقة والمأزومة بحكم طبيعتها الاجتماعية، هذه المظاهر المرضية كلها رائجة ومألوفة وملازمة لوجود هذه الشريحة، ولكن يحدث أن تأخذ شكلها الفضائحي المبتذل، كما يحدث الآن مع دبّيكة «الثورة»، حتى يبدو للمتابع أنه في حلقة سيرك.

يلاحظ المتابع لـ«الإعلام الثوري» السوري إن أكثر «الثوريين» تشنجاً، وتطرفاً، وأكثر من يجيد المزاودات الكلامية، ، هم من كانوا حتى الأمس القريب، على مائدة النظام، أو في أحد مؤسساته الرسمية، أو كتاب تقارير لأجهزته، أو مصفقين من الطراز الأول في مهرجاناته الوطنية، وذلك في محاولة للتغطية على الماضي «الوطني» لصالح الحاضر «الثوري»، وبعبارة أوضح الانتقال من التمايل في الدبكة «الوطنية» باعتبار أن النظام  كان يمتلك الوكالة الحصرية لها، إلى الارتزاق تحت راية «الثورة» وخصوصاً بنموذجها الإئتلافي الممسوخ، «حزبنا القائد الجديد»، والمالك الوحيد «للثورة»

هذه الفئة من المثقفين، والسياسيين، والإعلاميين، - وأتمنى ألا أضطر إلى ذكر الأسماء والوقائع بخصوص بعضهم على الأقل – هي أكثر النماذج تعبيراً عن حالة الانحطاط الثقافي التي كانت سائدة، وبديلها الممسوخ التي ترسم لنا للمرحلة القادمة، طالما أن هؤلاء كانوا، ويحاولون أن يكونوا بعض كهنتها، وفقهائها، ورعاتها.

واحدة من مزايا هؤلاء أنهم أكثر العناصر رفضاً لأي حل عقلاني للأزمة السورية، فأول من يتحدث ضد الحل السياسي هم، وأكثر من يصر على وضع الشروط المسبقة هم هؤلاء، وأول من يبشر بفشل المفاوضات هم، وكأنهم بذلك يدفعون كفارة مواقفهم السابقة، وضريبة قبولهم في مواقعهم الجديدة.