أحمد باشا أحمد باشا

مسرح الطفل في سورية: هل من مغيث؟؟

تظهر بعض الوثائق أنّ أول العروض المسرحية الخاصة بالأطفال التي قدمت في سورية كانت مع مطلع القرن العشرين في مدينة حلب، حيث كانت تقدم في الحفلات المدرسية، الظاهرة التي استمرت إلى أن تم تأسيس المسرح القومي الذي قدم عروضاً محدودة حتى تأسيس مسرح الطفل مع مطلع الثمانينيات، وتسلم إدارته حينها الفنان عدنان جودة، فقُدمّت العديد من التجارب والمحاولات لجذب الطفل وإيقاعه في فخ الفرجة والإيهام المسرحي،

وليشكل المسرح بالنسبة له عالماً للعب والاحتفال، بعيداً عن قوقعة العالم الخارجي، لكن التجارب المسرحية الموجهة للطفل خلال ثلاثة عقود صارمة من الزمن لم تستطع أن تشكل ملامح هوية مسرحية سورية تضع الأطفال في مواجهة مسرحهم، لينشئوا حواراً ذهنياً ضمن طقسية المسرح، من شأنه أن يثير مخيلتهم على الجنوح والإبحار إلى فضاءات أكثر بعداً واتساعاً.

بالعموم كان، ولا يزال، العرض الموجَّه للطفل عالقاً بين فكي التربية الصارمة والمباشرة المقيتة، مما حول العرض المسرحي إلى درس تربوي أو محاضرة أخلاقية، وكأن العاملين في مسرح الطفل قد تناسوا الشرط الأساسي للمسرح، ألا وهو الإمتاع، ونستطيع في هذا الصدد استثناء بعض التجارب الفردية  التي قدمت تجارب مميزة، ولكنها لم تستطع أن تخلق تراكماً فنياً في هذا المجال من شأنه أن يفرز ظاهرة  مسرحية واضحة المعالم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر بعض التجارب التي قدمها كلٌّ من (نضال سيجري، مأمون الخطيب، زكي كورديلو...).

تبرز أمامنا العديد من القضايا والمشاكل التي تعيق تطور هذا النوع من المسرح، كالنص المسرحي أي اللبنة الأولى في بناء العرض المسرحي، فغالباً ما تكون النصوص المسرحية الموجهة للطفل تتسم بالتفكك أو الوقوع في فخ المباشرة، وهذا الأمر نابع من طبيعة التعاطي مع مفهوم مسرح الطفل واستسهال الكتابة له، وهذا ما دفع بمعظم المخرجين لكتابة نصوصهم، وذلك لملء الفراغ الحاصل في العملية الإبداعية، الأمر الذي يؤكد على أهمية العمل على تنشيط الكتابة للطفل وتحفيز المبدعين من خلال توفير الشروط المادية والمعنوية المناسبة لهم، والتي تتماشى مع قيمة عملهم وأهميته، فبلدنا تمتلك أقلاماً شابة قدمت تجارب هامة على صعيد الكتابة للأطفال من أمثال (أحمد إسماعيل إسماعيل، عاصم الخيال...).

يواجه العاملون في مسرح الطفل صعوبات قاسية تضطر بعضهم إلى النزوح عنه، فمسرح الطفل موجود في سورية كمفهوم فقط، وليس له أي وجود مادي، فلا بناء لمسرح الطفل، وليس هناك خشبة خاصة بالتمرينات (البروفات)، ولا يوجد إصدارات خاصة به تحفّز عملية الكتابة وتساهم في نشر الثقافة المسرحية، كما تحضر للذهن مسألة أجور العاملين حيث أن أجر الممثل في مسرح الطفل، على سبيل المثال، هو نصف أجر الممثل في أي عرض للمسرح القومي!

كما يصطدم العاملون بالقوانين السارية التي تحكم عملهم، على مستوى استقلالية القرار من جهة، أو على مستوى الميزانية من جهة أخرى، فليس هناك معيار واضح يحدد ميزانية العروض والأجور التي يرجع القرار فيها غالباً إلى تقدير مدير المسارح والموسيقا، لذلك نشاهد أن معظم مدراء مسرح الطفل يحكمهم المصير نفسه دائماً «الاستقالة»، كما حدث مع الفنان وضاح حلوم مؤخراً.

إن غياب الدور الحقيقي لمسرح الطفل أوجد فرصة ذهبية للمتاجرة بالطفل، فغزت العروض التجارية التي تستخف بعقل الطفل خشبات مسارحنا، بل الكارثة الحقيقية أنها وصلت إلى المدارس عن طريق بعض المنتفعين من الكادر التدريسي أو الإداري، فهذه العروض لا تنتمي إلى أي جنس فني كان، تكثر فيها الأغاني الصاخبة المبتذلة وألعاب الشعوذة والمسابقات السخيفة، وهي لم تقدم للطفل شيئاً مختلفاً عن أطروحات الشاشة الاستهلاكية. إنّ مثل هذه العروض التي تقدم لأطفالنا من شأنها أن تؤثر على ذائقتهم وتحد من خيالهم وتفكيرهم، وتكون مفهوماً مغايراً في التعاطي مع خشبة المسرح، فتحولهم من مركز أساسي في عملية بناء الخطاب المسرحي وصيرورة العرض المسرحي إلى كائنات حيادية تستقبل الخطاب الاستهلاكي بطريقة قسرية.

يجب العمل على إعادة الاعتبار لمسرح الطفل في سورية، وذلك من خلال خلق ورشات عمل تتكون من اختصاصيين وخبرات عاملة في هذا المجال لتقوم بدراسة واقعه في سورية، وتبدأ بالبحث الجاد عن أسباب الركود، والعمل على إيجاد الحلول الناجعة التي من شأنها جعل المسرح مكوناً أساسياً من مكونات ثقافة أطفالنا، مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير الإمكانيات المادية ومراجعة القوانين السارية، ولتتماشى هذه الجهود كافة مع حساسية مسرح الطفل وأهميته، والتعامل معه  كـ«واحد من أعظم الاختراعات  في القرن العشرين» على حد وصف الأديب الأمريكي مارك توين.

■■

آخر تعديل على الأحد, 09 تشرين1/أكتوير 2016 21:03