هشام الباكير هشام الباكير

من التراث بقية الله خير لكم

قال عامر الشعبي: وفدت سودة بنت عمارة بن الأشتر على معاوية فاستأذنت عليه، فأذن لها، فلما دخلت عليه، قال لها: كيف أنت يابنة الأشتر؟
قالت بخير يا أمير المؤمنين.
فقال: أنت القائلة لأخيك يوم صفين(1)
شمر كفعل أبيك يابن عمارة
يوم الطعان وملتقى الأقران
وانصر علياً والحسين ورهطه
واقصد لهند وابنها بهوان
إن الإمام أخا النبي محمدٍ
علم الهدى ومنارة الإيمان

قالت: إي والله، ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب!!
أنشدك الله يا أمير المؤمنين، مات الرأس وبتر الذنب، فدع عنك إعادة ما مضى تذكار ما قد نسي. قال لها: هيهات! ليس مثل مقام أخيك يُنسى!
قالت: والله ما كان أخي ذميم المقام، ولا خفي المكان، وبالله أسأل، إعفائي مما استعفيت منه. قال:  قد فعلت فقولي حاجتك.
قالت يا أمير المؤمنين، إنك أصبحت للناس سيداً، ولأمورهم متقلدا والله سائلك عما افترض عليك
من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزّك و يبطش بسلطانك، فيحصدنا حصاد السّنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسلبنا الجليلة، هذا ابن أرطأة (بسر بن أرطأة الفهري) قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، فإما عزلته فشكرناك، وإما لا فعرفناك!!
فقال معاوية: إياي تهددين بقومك! والله لقد هممت أن أردّك إليه على قتبٍ أشرس(2) فينفذ حكمه فيك؛ فأطرقت تبكي وأنشدت:
صلى الإله على روح تضمّنه
قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلاً     
فصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال لها: ومن ذلك؟ قالت: علي بن أبي طالب رحمه الله!
قال معاوية: وما صنع حتى صار عندك كذلك؟
قالت: أتيته يوماً في رجل ولاه صدقاتنا فكان بيننا وبينه الغث والسمين؛ وأخبرته خبر الرجل فبكى، ثم رفع يديه إلى السماء، فقال: اللهم إنك أنت الشاهد علي وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خَلقِك، ولا بترك حقّك، ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم: قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقِسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين». إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك حتى يأتي من يقبضه منك والسلام. فقال معاوية: اكتبوا بالإنصاف لها والعدل عليها!
قالت: إلي خاصّة أم لقومي عامّة؟ فقال لها: وما أنت وغيرك!؟؟
قالت: هي والله إذن الفحشاء واللؤم. إن كان عدلاً شاملاً، وإلا يسعني ما يسع قومي!
قال: هيهات! ألمظكم (3) ابن أبي طالب الجرأة.
اكتبوا لها و لقومها.

- العقد الفريد (ابن عبد ربه)
 (1) مكان بالقرب نهر الفرات دارت فيه معركة كبرى سنة 657م بين علي ومعاوية
         انتهت بخدعة التحكيم و ظهور الخوارج
(2) قتبٍ أشرس: بعير لم يروض
(3)  المظكم: أعطاكم أو أذاقكم