الأفكار لها أجنحة.. فعلى أي أجنحة نحن؟
في مكتبة أبي الضائعة تحت الغبار بدأت ولادة جديدة - قديمة لأفكار لم نكن نظن أنها قد تعيش من جديد، فتعود بنا الذاكرة إلى ثلاثينيات القرن الماضي. «كراسات السجن» لأنطونيو غرامشي الذي نأخذ منه الاقتباس التالي: «في لحظة معينة من حياتها التاريخية تنفصل الطبقات الاجتماعية عن أحزابها التقليدية، وبعبارة أخرى، لم تعد تلك الأحزاب بشكلها التنظيمي الخاص وبرجالها الذين يكونوها ويمثلونها ويقودونها، معترفاً بها من طبقتها التي تعبر عنها. عندما تقع مثل هذه الأزمات، يصبح الوضع حرجاً، لأن المجال ينفسح أمام الحلول العنيفة، ونشاطات القوى المجهولة التي يمثلها «رجال القدر» الكرزميون».
ويخال المرء أن غرامشي قد استيقظ من سباته الأبدي ليقرأ هذه الكلمات وكأنه يعيش بيننا.
فالأزمة التي نحن بصددها اليوم هي أزمة عميقة ليست على صعيد سورية الوطن، بل ستمتد إلى بقاع كثيرة في العالم، لذلك وباعتبار أن بداية الغيث قطرة، فكم نحن بحاجة إلى أن نقرأ ونتعلم من الثورات كثورة أكتوبر، والثورة الفرنسية، وحتى الرجوع أكثر إلى التاريخ إلى ثورة الزنوج والقرامطة، وكم أصبحنا بحاجة إلى قراءة لوركا مرة ثانية وثالثة لكي نفهم معنى إرادة الشعوب في عيش حياة كريمة.
وأصبح، بكل تأكيد، العودة إلى كتابنا وأدبائنا العمالقة الذين أبيدوا بالموت البطيء، وهم يتخيلون هذه اللحظات التاريخية عبر نتاجهم الأدبي المنهوب خلال العقود الماضية، من محمد الماغوط حين يقول: «لكي تكون شاعراً عظيماً يجب أن تكون صادقاً، ولكي تكون صادقاً يجب أن تكون حراً، ولكي تكون حراً يجب أن تعيش، ولكي تعيش يجب أن تخرس»، وممدوح عدوان الذي كتب عن مستقبلنا وكأنه يتنبأ بالطوفان القادم في قصائده فيقول: «حين يجيء الجوع؟ وحين تنصب المشانق ما نفع هذا الدمع؟ خذوا حزنكم وارجعوا خذوا العار والدمع والكبرياء خذوا أبدؤوا من جديد ولا تجلسوا في البيوت انتظاراً لسيف القضاء، صرخت طوال الحياة فلم تسمعوني، ولم أجن إلا العناء»، أما سعد الله ونوس الذي ظل محكوماً بالأمل حتى آخر رمق في حياته ظلت عبارته الشهيرة على لسان كل متفائل فقال: «إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ..». أليس من واجبنا أن نعيد لهؤلاء العظماء بعضاً من رد الاعتبار لهم، ورد الجميل لتلك الأحلام التي كانوا يحملونها تحت أجنحتهم حتى نكبر فيهم؟.
ولأن الأفكار تطير، والأجنحة ما تزال صامدة، يجب أن نقول لكل هؤلاء ولغيرهم «رسالتكم قد وصلت».