من التراث نفوس العاشقين
حدّث ابن الأعرابي عن بعض مشايخه أن رجلاً من بني تميم كانت له ابنة جميلة، وكان غيوراً، فابتنى له في داره صومعة وجعلها فيها، وزوجها من بني عمها، وإنّ فتى من كنانة مرّ بالصومعة فنظر إليها ونظرت إليه، فاشتد وجد كل واحد منهما بصاحبه، ولم يمكنه الوصول إليها، وإنه افتعل بيتاً من الشعر، ودعا غلاماً من الحي فعلّمه البيت، وقال له: أدخل هذه الدار وأنشد كأنك لاعب، وترفع رأسك ولا تصوبه ولا تومئ في ذلك إلى أحد، ففعل الغلام ما أمر به، وكان الزوج قد أزمع على سفر بعد يوم أو يومين، فأنشأ الغلام يقول:
لحى الله من يلحى على الحبّ أهله
ومن يمنع النفس اللجوج هواها
قال: فسمعت الجارية ففهمت، فقالت:
ألا إنّما بين التفرق ليلة
وتعطى نفوس العاشقين مناها
قال: فسمعت الأم ففهمت فأنشأت تقول:
ألا إنما تعنون ناقة رحلكم
فمن كان ذا نوق لديه رعاها
قال: فسمع الأب فأنشأ يقول:
فإنا سنرعاها ونوثق قيدها
ونطرد عنها الوحش حين أتاها
فسمع الزوج ففهم، فأنشأ يقول:
سمعت الذي قلتم فأني مطلّقٌ
فتاتكم مهجورة لبلاها
قال: فطلقها الزوج وخطبها ذلك الفتى وأرغبهم في المهر فتزوجها.
قال العتبي: عشق «كامل بن الرضين» «أسماء بنت عبد الله الثقفية»، فلم يزل به العشق حتى صار كالشن البالي (القربة)، فلما اشتد ما به، شكا أبوه إلى أبيها فزوجها له، فحُمل إلى دارها وفيه رمق، فلما دخل الدار، شهق شهقة قضى مكانه، قيل لها: يا أسماء، قد مات بغصّة، قالت: والله لأموتن بمثلها، ولقد كنت على زيارته قادرة فمنعني قبيح ذكر الريبة وسماجة الغيبة، وسقطت في المرض، وقالت لأخص نسائها، صوري لي صورته، فإني أحب أن أزوره قبل موتي، ففعلت ـ فلما رأت صورته، اعتنقتها وشهقت شهقة قضت نحبها. فدفنت مع الفتى في قبر واحد، وكتب على قبرها:
بنفسي هما ما مُتعا بهواهما
على الدهر حتى غيبا في المقابر
أقاما على غير التزاور برهة
فلما أصيبا قرّبا بالتزاور
فيا حسن قبر زار قبراً يحبه
ويا زورة جاءت بريب المقادر
• المصادر
أخبار الأذكياء ـ ابن الجوزي
أخبار النساء ـ ابن قيم الجوزية
■ هشام الباكير
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.