محمود عبد الكريم ـ محمود عبد الكريم ـ

جوزيف سماحة

موت مفاجئ.. موت قاسٍ.. لانملك إرادة إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

مات جوزيف سماحة في اللحظة التي تحول فيها إلى ظاهرة في الصحافة العربية عنوانها الصارم: «الوطنية المتحررة الديمقراطية»..

ويقيناً أن هذا الرجل الفريد مات.. وما من أحد من الناطقين بالعربية إلا وهو بحاجة إليه.. آخر ما كان يشغل بال هذا الصحفي الباسل المقتلة المروعة التي يشهرها «الفاشيست الجدد» في وجه كل صاحب رأي حر، أي التشهير الذي استخدموه بوحشية تذكّر «بتكفيريات العصور الوسطى» في أشد لحظاتها قتامة واستفزازاً.. والمآل: أن تقول رأياً مخالفاً يعني أن تموت قهراً أو قتلاً أو تشريداً أو سكوتاً.

فالحرية.. تعني الآن الموافقة المطلقة على كل ما تقوله أمريكا.. هذا «دولياً»، وأن تقول نعم لكل أنواع الاعتدال «السعودي» بما فيه تكفير المقاومة علناً، وتسعير الحرب المذهبية، حتى لو سقط مائة مليون مسلم على سبيل المثال لا الحصر من أجل سواد عيون «الأمير بندر» وبياض «صخور مسندم» وسلامة أنابيب ميناء «الجبيل».

وإذا كنت مثل «الشهيد الحي» مروان حمادة فعليك أن تزيد «الجرعة»، وتدعو العرب قاطبة للاقتداء بالحرية والديمقراطية السعودية الفذة.

أما إذا كنت مثقفاً «يسارياً» ألمعياً وتجيد اللعب بالكلمات والدلالات مثل «الكاتب الشهير...» فإن الخبث و«التاريخ الكفاحي» يقتضي الضحك على القرار بجمل «ملعونة».. فتقول لأمريكا على طريقة العرب القدماء:«بخٍ بخٍ.. اقتلوهم بالتقسيط وبحلم» لأن صمتنا «الفذ» أمام المقتلة الجنونية الجماعية فضيحة مدوية..

أما الكاتب «الفذ» فيتجاهل «عمداً» أن أمريكا هي السيد.. وحضرته «التي لم تعد تحصى» هو التابع عن سابق إصرار وتصميم..

أما إذا كنت مسعوراً فقدت صلاتك الطبيعية بالبشر لأي دين انتموا.. فما عليك سوى تجريد ساطورك.. والبدء بالقتل المقدس إرضاءً للمحافظين الجدد ونفطهم ومصارفهم وإسرائيلهم وحلف المعتدلين العرب.. (بالمناسبة هذا أظرف حلف في التاريخ.. إنه يشبه الحلف بين أبرهة الحبشي وأبو رغال الثقفي.. ولي إليه عودة).

كل هؤلاء وأمثالهم وعدد لا يحصى، ما كانت تنقص الدنيا لو مات أحدهم أو كلهم أو نصفهم على الأقل.. بل لصارت محتملة.. ماذا؟! يعني لو مات هذا «الملك» أو ذاك الرئيس أو أحد قادة «المجازر الديمقراطية» في لبنان.. مثلاً أو الرئيس السابق – بعد شهرين- «جاك شيراك» بعدما بلغ من العمر عتياً؟؟ ماذا لو هوت طائرة «ديك تشيني» في محيط «التسونامي» الهادئ الذي صنعته «قنابله الهيدروجينية» كبروفة لإبادة آسيا..

لماذا لا يصاب جورج بوش بالبرص على الأقل كي ترتاح البشرية من منظره القبرصلي التلفزيوني؟

لماذا.. لاتحصى...؟؟

لكن حظنا السيئ يأبى أن يفارقنا.. يأتي الخبر صاعقاً ومفاجئاً، كمن يبلغك عن مرض لا شفاء منه، وأنت في مجلس سمر.. «وكأنه لا أمل..»

مات جوزيف سماحة الكاتب الحر الديمقراطي اليساري العروبي المثقف الفذ.. بجلطة واحدة.. في عاصمة «وعد بلفور» الذي قتل بالجلطات منذ تسعين عاماً ما لا يعد.. بالقرب من «باريس» عاصمة القنبلة الذرية الإسرائيلية التي يتجاهلها معظم الديمقراطيين العرب حالياً متمسكين بشعار «ميرابو» «الحرية والإخاء والمساواة»، رغم أن باريس دفنته آلاف المرات.. في الجزائر والمغرب وتونس وسورية ورواندا والسنغال والصومال وفييتنام وعبد الحليم خدام ورفعت الأسد وما لا يعد..

في عاصمة وعد بلفور.. الذي افتتح قرن المجازر الإسرائيلية.. بالقرب من باريس عاصمة القنبلة الذرية الصهيونية.. بين عاصمتي: الوعد بالإبادة وإنتاج أداة الإبادة.. هناك.. مات جوزيف سماحة.. وبقي كل أولئك «الـ...» ماذا أقول..؟؟! «إنا لله وإنا إليه راجعون».

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:43