صانعات الحياة... كل عام وأنتن بخير

قد يعني التاريخ شيئاً ما لبعض الناس وقد لا يعني شيئاً للبعض الآخر... ولكنه يفرض نفسه علينا بقوة (أي التاريخ) ليس فقط لأنه يمثل خيط المسبحة الذي يربط ماضي الإنسان بمستقبله عبر الحاضر ويلملم تفاصيل حياته.. بل لأنه من صنع الإنسان وإنتاجه, فالناس كانوا ولازالوا يصنعون تاريخهم بيدهم وإن لم يكن على هواهم...

وفي الثامن من آذار تحتفل نساء الأرض بعيدهن.. عيد المرأة العالمي.

قد لا يثير هذا اليوم اهتمام الكثيرين (حتى من النساء) وقد يقولون: «وماذا يعني... إنه يوم مثل باقي الأيام.. أو عيد مثل باقي الأعياد!!»، ربما لأنهم لا يدركون أن الأيام المميزة في حياة الإنسان، لم تنل تميزها إلا بسبب الثمن الذي دُفع من أجلها.

والثامن من آذار هو واحد من الأيام المميزة الذي دفعت المرأة ثمنه عبر التاريخ وانتزعته انتزاعاً (كما في كل حقوقها)، واستحقته بجدارة.. ففي عام 1857 نظمت مجموعة من النساء العاملات في معمل النسيج والألبسة الجاهزة في مدينة نيويورك مظاهرة احتجاجية على سوء حالتهن المعيشية ضد ظروف العمل السيئة، حيث كانت النساء تعمل 12 ساعة وبأجور زهيدة.

وقد قامت الشرطة بتفريق المتظاهرات بالقوة، ورغم القمع البوليسي، إلا أن هذه التظاهرة استطاعت بعد سنتين تشكيل أول نقابة نسائية للعاملات في معمل النسيج. وفي 8 آذار 1908 انضمت أكثر من (15ألف) عاملة للمشي بمسيرة طويلة في مدينة نيويورك مطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل والاعتراض على عمل الأطفال وغيرها، وكان شعارهن: خبز وورد!

وبعده في عام 1909، شاركت ما يقارب من (20 إلى 30 ألف) عاملة في إضراب، طالبن فيه بتحسين ظروف العمل وحق المرأة في الاقتراع والديمقراطية وغيرها من المطالب الأخرى.

وفي ذلك الوقت وتقديرا ً لكفاح النساء، ارتأى قادة الحركة العمالية الأمريكية تخصيص اليوم الأخير من شهر شباط من كل عام للاحتفال بما سمي (اليوم الوطني للمرأة).

ولكن الاحتفال بعيد المرأة جاء إثر أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس عام 1945، وهذا الاتحاد يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، وكان نتيجة اقتراح قدمته القائدة العمالية النسائية الألمانية المعروفة (كلارازيتكين) باعتماد الثامن من آذار من كل سنة للمرأة. ثم جاء إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا اليوم.

لقد استحقت المرأة هذا اليوم عبر نضالاتها، ودفعت ثمن تميزه، وبإمكانها أن ترفع رأسها عالياً بإنجازها.

كل عام وأنتن بخير يا نساء الأرض، لأنكن لا تصنعن التاريخ فحسب، بل تصنعن الحياة أيضاً.

■ إيمان الأحمد

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 13:21