الكتابة - الجسد
كيف تكتب نصاً؟!..
لطالما تأمّلتُ إجابات الكتّاب والمبدعين على هذا السؤال، ولطالما أضحكتني. ولطالما حاولت أن أقرأ النظريات التي تتصدّى لعملية الكتابة، وتحاول تفسيرها، لكن.. دون جدوى!..
مما هو سائد أن الكتابة هي عملية خلق، ولكنني أنظر إليها بشكل معاكس، ليس بمعنى أنها عملية قتل، أو إجهاض، وهذه أيضاً نظرية سائدة، وكثيرون هم الكتّاب الذين يؤمنون بهاتين الفكرتين معاً، دون أن ينتبهوا إلى التناقض الحاصل. الكتابة أقرب للكيمياء، لكنها ليست كيمياء.. تماماً، وهي ليست خيمياء أيضاً. بعض الشعراء خيميائيون بامتياز. أدونيس مثلاً، خيميائي، يبحث عن «حجر الشعراء» في المكان الصحيح، ولكنه لن يجده.
الأمر بسيط بالنسبة لي، بعض الكلمات قوية أكثر مما يجب. بعض الأفكار كذلك، وبعض المناخات، وثمة أيضاً أوقات قوية للكتابة، ثم يلزم قلب ملتبس، ودماغ يسيء الفهم، ثم أخيراً جسد يعترف بعطالته، ليس بمعنى عجزه، بل بحقيقة إعاقته!
لا كتابة خارج القوة، وكل شخص ضعيف (ليس وديعاً) هو شخص بعيد عن منطقة الكتابة.
ثمة أقوال لا تعنيني، أقوال من قبيل «النص هو من يكتبني»، أو «الكتابة مثل الولادة، والنص كالجنين».. ألخ. جميع نصوصي أقولها في رأسي نهائياً، ثم تتسرب إلى شفتي عندما أكون وحيداً، وأخيراً أكتبها على الورق.. وهذا أصعب ما في الأمر. شائعون أؤلئك الكتّاب الذين يرددون تلك الأيقونة: عندما أنتهي من كتابة النصّ فإنه يصبح ملك الآخرين! مع أنهم في أغلب الأحيان يعقدون الصفقات ويبرمون التواطؤات من أجل تمريره وترسيخه، دون جدوى غالباً. ويضايقني قول بعضهم.. إنهم يكتبون ليتخلصوا من آثار النصوص وشغب الأفكار، مع أن المرء، وبقليل من التحديق، يستطيع أن يلحظ بلا هوادة أن معظم الأعمال تنقصها الأصالة، بمعنى أنها لا تنهك جسد الكاتب، إلا فيما ندر.
أنا أكتب نصوصي، من دون الإدعاء بأهليتها، لأنني أشعر أنها قادرة على العيش خارجي، قادرة أن تنمو وتترعرع دون العناية الشخصية واليومية. ونصوصي هي ملكي دائماً، وامتدادات جسدي الذي لا يستوي الحضور إلا به. كل كتابة حقيقية جسد، أو بعضه.