رحيل لاوند هاجو: اغتيال الرقص.. و الجسد
رحل الفنان الراقص لاوند هاجو عن الحياة وعن مسرحها تاركاً فراغاً مسرحياً وإبداعياً كبيراً.
هاجو مؤسس فرقة رماد للمسرح الراقص هو أول من احتفل بيوم الرقص العالمي بسورية، حاز على جائزة «الرقص المميز» في مهرجان القارات الخمس في الصين من خلال مشاركته مع فرقة فهد العبد الله اللبنانية بعمل تحت عنوان «شوق و حنين».
تم تكريمه في اليابان عدة مرات، فنال الميدالية الذهبية للرقص عام 1997 بمشاركة راقصين من18 دولة، حاصل على شهادة تقدير في الرقص عام 2007.
أعمال فرقة رماد ومنها «خلق «عام 2001 ، «انعكاسات «2003، «رحلة جسد « 2003، «تمرد العقل «2004 ،»صمت الحواس «2005 ، وسكون في 2006 إضافة إلى عملين مشتركين بين سورية و قطر بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الاولمبية .
غادر الفنان المبدع خشبة المسرح لتحتفل وحدها بيوم الرقص العالمي، هو الذي لم يترك مناسبة للاحتفال بيوم الرقص العالمي إلا وكان حاضراً بجسده الراقص المبدع. لم يكن الرقص بالنسبة لهاجو مجرد حركات وإيقاع واحتفال وألوان وكرنفال. الرقص عنده كان ملتحما بالفكرة، بالمسرح، بالدراما، بالإيماء الصامت المتوقد، وابتكار أفكار إنسانية خلاقة. رسم بجسده «خلق» في 2001 و«انعكاسات» في 2003 وفي العام نفسه رسم «رحلة جسد» ضمّن فيها رحلة الإنسان منذ طفولته حتى شيخوخته، رحلة آماله، أحزانه، خيباته وتناقضات وجوده، رسم فلسفة الحياة بطريقته الخاصة فخرج الجمهور مدهوشا بأناقة الإبداع الراقص وتفاني الجسد بإطلاق مدارات الروح والجسد بآن. الجسد الذي كان يعتبره هاجو وعاء فنيا خلاقا. المفاجأة شاب سوري يبدع بجسده أفكاراً عميقة تتحدث عن رحلة الإنسان، رجلاً وامرأةً في الحياة، ووقوعهما تحت دائرة القمع الذي يطفئ شعلة التحرر. لم يكتف بـ«رحلة الجسد» و«تمرد العقل» بل أنه رحل بعيدا في إبداعه وتجديده ليبحث في الحواس الخمس، فكان عمله «صمت الحواس» الذي كشف معاناة فقدان الحواس، فحول هذا الفقدان إلى عطاء لا يحتاج إلى عيون وأقدام وأذنين. الإحساس وحده يقود الإنسان إلى التفاعل واكتشاف مظاهر الحياة بكامل تفاصيلها وعمقها. حضرت لوحات سلفادور دالي في عمق خشبة المسرح لتكّون ملمح الحضور السريالي في حياة الإنسان وطاقاته المفقودة والموجودة في آن. شغفه الدائم في البحث عن حلول لطاقاته الجسدية والفكرية أوصله إلى « سكون»، إلى الستار الذي يحجب كل شيء في الحياة ليمنع عنا الرؤية الصحيحة. تلك الرؤية التي تفتح أمامنا أفقاً واضحاً لما نستطيع تحقيقه. خصوصاً في هذا الزمن الرديء الذي أصبح فيه التستر وراء أقنعة سياسية واجتماعية للتشويش على ما نحن عليه.
بعد ولعه في الكتابة عن الحياة والإنسان وما بينهما من تاريخ متأرجح بين الخلق والسكون، عاد إلى ينبوع الأدب فمسرح نصّ «ستلمس أصابعي الشمس» للأديبة كوليت خوري، وبعدها كنا على موعد في 19 و 20-11-2008 مع مسرحيته الراقصة والأخيرة «كشف».. حضر الموعد ولم تحضر المسرحية ولا مبدعها إلى خشبة المسرح، فقد غاب غيابا أبديا عن الخشبة التي أحبها وأحبته، غاب عن فرقته «رماد»، احترق في شقته وحيدا، في جريمة بشعة غامضة تقشعر لها الأبدان وتحول إلى رماد، رحل عن عالم الفن والرقص والمسرح وحيدا متألما.. غادر لاوند هاجو ولعه بالحياة، النشاط الدائم، التفاؤل، الابتسامة الدائمة، الصدق، التسامح الصرف، الشجاعة الحقيقية، صفاته التي أدركها جميع من عرفوه.
غادر الشاب المتألق ولم يبق منه إلا سلساله الذي لم ينزعه قط، ليكون شاهداً على بقايا وجوده الإنساني الذي رحل بسؤال واستفهام عجيب، لماذا شنعتم بجسده الراقص هكذا؟ لماذا تحقدون على الإبداع والفرح والانطلاق لماذا قتلتم زهرة شبابه؟ أكان جسده المبدع شوكة في حلوقكم الحاقدة المجرمة؟