قصة مترجمة ببغاء الحظ
كان أرنستو ألتيريو رجلاً صعب المعاشرة، لمن لا يعجبه مثلي ويضايقه، حتى إنه كان دائماً يقول عن نفسه: لا يطيق النسا. لا يعجبه الكلام. كل أحاديث الناس تبدو له مملة. يكره الأطفال، والأزواج الذين يتأبط واحدهم الآخر. ويكره أيضاً العائلات السعيدة. وما يريح الناس ويريحه أنه يعمل في المونتاج، الأمر الذي لا يضطره للتكلم مع أحد. وأخته الوحيدة تعيش في مدينة أخرى على بعد أكثر من ستمائة كيلومتر من محتله، مسافةً بعيدة بما يكفي لعدم مضايقته.
إرنستو ألتريو هو ممن يعتقدون أن الحيوانات أفضل من البشر. وعلى الرغم من أنه لا يبوح بذلك، إلا أنه يشعر أحياناً بالعزلة.
قرر شراء حيوان ليتسلى. وبداية فكر أن يشتري كلباً، لكن هذا الخيار استبعده بسرعة لأنه يحتاج جهداً أكثر من اللازم حيث عليه إخراجه يومياً للتنزه، وكذلك تنظيف أوساخه، والأسوأ من ذلك، أنه لا يتحمل الدخول في مهاترات مع آخرين من أصحاب الكلاب الأغبياء.
ببغاء؟..
هذا، نعم. إنها فكرة حسنة فبالإضافة إلى أنه مسلٍ ومرافق من الممكن تعليمه الكلام، حيث يقول ما تريد قوله.
وهكذا اشترى ببغاء، أسماه توليبان (Tulipan = خزامى) لأن جناحيه الكبيرين صفراوان.
جهز له قفصاً. وفي اليوم الذي اشتراه بدأ إرنستو ألتيريو إعطاءه دروساً في اللغة الإسبانية. فعلمه أولاً، لفظ اسمه، ولاحقاً بعض الكلمات السهلة تمهيداً لتلقينه جملاً كاملة.
جلس إرنستو أمام توليبان وراح يكرر له اسمه مرة تلو الأخرى، إر..نسـ..تو. نغّم بإفراط إررر..نسسـ...تووو، وهو يمسح على رأسه الصغير مهدداً إياه بعدم تقديم الطعام إذا لم يتكلم. إنننـ..نيسـ..تووو. أظهر صبراً ما كان ليظهر أبداً مع أي شخص.
لكن لم تكن هناك طريقة إنسانية تجعل الببغاء يتكلم. ومرّ شهر على اقتناء إرنستو له بلا إحراز أي تقدم. لم تخرج من منقار الببغاء ولو زقزقة. شعر إرنستو أليتريو بأنه أبله فقرر إعادة الببغاء. قالوا له أنه بحاجة للتكيّف من محيطه الجديد وما عليه إلا التحلي بالصبر.
إن كان من شيء لا يمتلكه إرنستو فهو الصبر، ملعون هو الببغاء ابن قر.. حقير!.
يستقبل إرنستو في بيته مرتين في الشهر من أيما الخميس رفاق لعبة البوكر. وكالعادة يكونون أربعة لاعبين ثابتين إضافة إلى لاعب آخر حرّ. كانوا الأشخاص الوحيدين الذي يدخلون بيته. فقط واحد من هؤلاء اللاعبين الثابتين كان يرتاح له إرنستو: غوتنثالو انريكي، ربما لأنه صامت مثله ولأنه لا يتفوه بحماقات كثيرة كما الآخرون الذين ليس عندهم من أحاديث غير النساء وكرة القدم.
تتكدس على طاولة اللعب كؤوس الشراب وأعقاب السجائر ورزم النقود الورقية التي تنتقل من مكان آخر. ومنذ أن اقتنى إرنستو الببغاء توليبان وهو يربح دوماً أشواط اللعب. وهذا ما عزّاه. فما دام توليبان لا يتكلم فهو على الأقل يجلب الحظ. وها هي ضربة حظ جديدة، ثمانية جولات لعب وهو يفوز.
مبارك أنت يا ببغاء الحظ.
في أحد أشواط اللعب حضر لاعب جديد: ماتياس كاساغراندي.لم ينل الشخص الجديد إعجاب إرنستو، خاصة طبعه فمنذ أن بدأ المشاركة راح ماتياس يلعب بقوة، وما من أحد تجرأ على مجاراة رهاناته إلا إرنستو.
انسحب الآخرون. وبفضل ضربة الحظ الجيدة راحت تصفر رزمة نقود ماتياس مسببة له الدوار في وقت تزداد فيه سعادة إرنستو. وقليلاً، قليلاً أخذ جبين ماتياس يتصبب عرقاً، ويداه ترتجفان وراح ينظر حوله فاقداً صوابه. لم يتوقف توليبان عن إحداث ضجة بمنقاره وهو يقضم بعض البذور. لم يستطع ماتياس تحمل هذا الطائر. بدأ يخامره شك بأن للببغاء الملعون علاقة بحظ صاحبه. بعد أن تناول جرعة ويسكي طلب من إرنستو إخراج الببغاء من الغرفة. رفض إرنستو: إنه بيته، ومن لا يعجبه يعرف أين هو الباب.
رأى ثلاثة من اللاعبين أن الليلة بدأت تتكدر فاعتذروا متعللين بزوجاتهم وقرروا المغادرة. كذلك أراد غونثالو انريكي الذهاب لكن إرنستو منعه، فهو لا يريد البقاء وحده مع ماتياس.
في أقل من نصف ساعة، سلب إرنستو ألتيريو نقود ماتياس. أكثر من مائة ورقة نقدية إضافة لورقتي شيك برقم كبير، حيث لم يستطع ماتياس قبول ذلك. يائساً ومقتنعاً بأن فخاً قد نصب له في هذا البيت، نهض ماتياس غاضباً وضرب بقبضته على الطاولة بعنف ثم دفعها رامياً على الأرض أعقاب السجائر والنقود وفيّش اللعب والكؤوس وزجاجات المشروب. حاول استرجاع ورقتي الشيك اللتين خسرهما فقفز على إرنستو واشتبكا لثوانٍ دون أن يتمكن غونثالو من تفريقهما. نفد صبر إرنستو وراح يضربه بكل غضب وحنق، فانحشر رأس ماتياس بين رفوف الخزانة. وأخيراً وقع على السجادة. وساد الصمت. اقترب غونثالو منه وتحقق أنه قد فارق الحياة. نظر اللاعبون الآخرون إلى الجثة بذهول. رفع غونثالوا يديه إلى وجهه.
ـ أرأيت، إرنستو؟ لقد قتلته. والآن ماذا نفعل؟
جف العرق على جبين إرنستو ألتيريو. كان عليه إثبات برودة أعصابه ورباطه جأشه أمام رفاقه في اللعب.
ـ سنلقي به في النهر. وأنت ستساعدني.
دمعت عينا غونثالو.
ـ وإذا لم أفعل؟
شدّ إرنستو رفيقه بعنف من قبّة سترته.
ـ تنفذ ما أقول لك.
قاما بلف ماتياس كاسا غراندي بشراشف. كان الوقت قد صار فجراً، وبدا الشارع مقفراً ولا أحد رأى كيف وضعاه في سيارة غونثالو، وابتعد عبر الشوارع إلى خارج المدينة.
وكما توقع إرنستو جاءت الشرطة إلى بيته. حاول أن يبدو لطيفاً وقد دعا رجال الشرطة إلى الجلوس في الصالون. قدّم لهم شراباً بارداً وهو يبتسم. وبعد طرح الأسئلة اللازمة ـ أي ساعة خرج ماتياس من بيتك، وما هي العلاقة التي ربطك به، ومن هم أعداؤه المحتملون ـ قرر رجال الشرطة المغادرة. ابتسم إرنستو، فهو لم يكن محطّ ريب، وعندما نهض رجال الشرطة من مقاعدهم راح توليبان يحرك جناحيه فرحاً. نظر رجال الشرطة إلى القفص. لقد كان يفهم بالضبط ما قاله إرنستو.
ـ أرأيت، أرنستو؟ لقد قتلته. والآن ماذا نفعل؟
سنلقي به في النهر. وأنت ستساعدني.
على عكس توليبان لاذ إرنستو بالصمت. وفي النهاية تكلم ببغاؤه.
■ ترجمة: بسام رجا
عن مجلة Perfiles الإسبانية