معرض لصور فوتوغرافية بين عامي (1879 ـ 1909) مقاطع من سيرة دمشق
يخرج زائر المعرض الذي أقيم بمكتب عنبر بانطباع حارق، هو أنّ حياة المدن لا تختلف كثيراً عن حياة البشر. فالإنسان، أيّ إنسان كان، يسأل نفسه، حين يطالع في مرحلة متقدمة من عمره صور طفولته وصباه: هل هذا أنا؟ ولعلّ خير مثالٍ عن هذا في قصيدة (الجنوبي) لأمل دنقل الذي كتب ملذوعاً بذات السؤال: (هل أنا كنتُ طفلاً/ أم أنّ الذي كان طفلاً سواي؟)، شيءٌ من الشك والريبة يحضر بقوة حين يتواصل المرء مع ماانقطع، لتأخذ الغربة شكلها الكامل، ففي ذات القصيدة يصبح الاغتراب فضاء الوجود: (صرتُ عنّي غريباً/ ولم يتبقّ من السنوات الغريبة/ إلا صدى اسمي). إنه الاسم إذاً، هو من يرشد في لحظة الضّلال، وربما كانت دمشق ستشك كثيراً بأن هذه الصور لها، لو لم تحمل اسمها كتأكيد دامغ لا يقبل دحضاً.
تسرد العدسات لحظات نادرة من حياة شوارع وأحياء تغيرت ملامحها اليوم، أو أزيلت من المشهد نهائياً،ا لكنها توقظ الذاكرة على رائحة المدينة القديمة بعمارتها الفريدة، ونهرها، المغفور له، بردى.
التي جُلبت من اسطنبول، والتي تعود لأكثر من قرن وربع القرن من الزمن، تقول لدمشق إنّها ما عادت هي، لا بيوتها، ولا غوطتها، ولا عربات الخيول، ولا جبلها، ولا مدارسها، بل ولا حتى ناسها، كلّ شيء تغيّر، وبإمكان المشاهد الواقف أمام صورة لمكان، أن يقارنه، هذا إذا ظلّ موجوداً، بصورته الحالية. على سبيل المثال حي البحصة لقطة خيالية لشارع ساكن وأليف، فيما هو الآن سوق لتجهيزات التكنولوجيا الحديثة. ثمة أمكنة لم يعد لها وجود كالغوطة والسور..الخ.
وهناك صورة للمدينة من جبل قاسيون، تبدو فيها صغيرة، كقرية، أو واحة في الصحراء، في الحقيقة في هذه الصورة بالذات تهيّج العقل، ليصرخ المشاهد: الله يا زمن.