عبلة الرويني في «الجنوبي»: أمل دنقل شاعر برتبة محارب فرعوني
تروي الصحافية المصرية عبلة الرويني في كتابها «الجنوبي» فصولاً من حياة شريكها الشاعر الراحل أمل دنقل، كما عرفته وخبرته، لتقدم للقرّاء الملامح الخفية من شخصية هذا الشاعر الذي مر سريعاً في حياة مصر، مختاراً لنفسه صورة الصعلوك الرافض، والخارجي العنيد.
كانت حياة أمل دنقل سلسلة متلاحقة من خيبات الأمل، فهو، كما هو معروف، فقد أباه صغيراً، وتحمّل عبء أسرته، ولم يستطع إتمام دراسته، وحتى بعد أن سطع نجمه، ظلّ على عناده مقاوماً ومناوئاً، حتى أخذه السرطان، في وصفه تقول الرويني (فوضوي يحكمه المنطق، بسيط في تركيبته الشديدة، صريح وخفي في آن واحد، انفعالي متطرف في جرأة ووضوح، وكتوم لا تدرك ما في داخله أبداً) ص9.
وترى أن الفقدان، الذي كان يتجلى في صورة الموت، من موت الأخت إلى موت الأب، إلى موت الأصدقاء، أعطاه وعياً بالموت وإدراكاً عميقاً تجلى في شعره. كيف وقعت تلك الفتاة البرجوازية، في غرام الشاب الصعلوك سيكون بيت القصيد، على الرغم من موقفه الطبقي تجاهها، وشراسته في معاملتها أول الأمر ما في داخله أبداً) ص9.
ثم تتحدث عن تعرفها عليه بعد تكليفها من الصّحيفة التي تعمل فيها بإجراء حوار مع شاعر (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)، وتتحول العلاقة، فيما بعد، إلى حبّ عارم، ينتهي بالزواج لتبدأ رحلة الزوجين في ظروف قاهرة، لكن وجود الشعر والشاعر كان السبب وراء احتفاظ الرويني – الزوجة ببهجتها (الشعر هو سيد بيتنا الوحيد) ص89.
ثم تأتي الكاتبة في الفصول الأخيرة على مرض الشاعر، ونزوله الغرفة (8) بمعهد الأورام السرطانية، وكيف استطاع أن يعلق الشعر على جدرانها، ويحولها إلى ملتقى للأصدقاء.
لقد صنع دنقل جماهريته بصدقه، وكتب قصيدة حديثةً، لها شروطها الجمالية الخاصة، وتهتم بالتركيز على اللقطة والوصف الداخلي، ومن جانب آخر ظل إنسان موقف، لا يعرف التنازل، حتى لصديق ثري يدعوه لوليمة، فردّه (حتى الصدق لا يشتريني).