سلاماً أيها المدفون في روحي سلاماً أيها المتهم بالورد.... (إلى هشام الباكير)
(رُبّ هائب في غَيبتك
وهو اليوم في حضرتكَ ولا يهابك) فيلسوف فارس
(رُبّ حريص على صَمْتك إذ لا تَصْمُتْ
وَهوَ اليومَ حريصٌ على كَلامكَ إذا لا تَتَكَلْم) فيلسوف الهند
(سَيْلحَقُ بكَ مَنْ سَرَّهُ مَوْتَكْ
كَما لَحقْتَ بمَنْ سَرَّكَ مَوْتُه) فيلسوف عربي (1)
هكذا بهذي الكلمات افتتح مهرجان الحزن وكرنفال الفجيعة عليك يا أخي يا صاحبي ويا رفيق قرابة ربع قرن من عمري "إن كانت إلا صرخة" لكنك لم تصرخ بل كانت أنّة حادة اختصرت بها خسارات العمل المختبئة وراء فرح طفولي غامر وولع بشغب السؤال.
كنت قد طَلّقْتُ الكتابة منذ عقد من الزمن وكنت أحسبه طلاقاً بائناً ولكني اليوم أعود إليها ببكائية تدمي القلب:
"أبكي غيابك أم غيابي
وجَوَادك الفضيّ يَصْهَلُ عندَ بابي
أبي وَيرُّدُ عني الصَهيلْ
أنت المسافر في عذابي
وأنا القتيلْ" (2)
آخر من شاهدك تزفر آخر أنفاس زهرة القداح وكانت الرحلة السرمدية، حاولت أن أقطعها فصرخت باسمك هشام... هشام... إلا أنك كنت قد ترجلت عن صهوة الدنيا تاركاً لي صورة الفيجعة وحزناً لن ينتهي سريعاً.
كنت كلما هبطت من سقف العالم هناك أجدك يا أخي تنتظرني في مطار دمشق، أو كما كنت تحب أن أسميها «آرام أم المدن» أمنا الجميلة ليبتدىء أ صخبنا الطفولي في أزقتها وحاراتها ولياليها الجميلة، لكنني اليوم أعود خاوياً وحيداً أنت ليس من بين المودعين إلى لقاء قريب:
"بلادُ الغُرب أوطاني
لا الأهل أهلي ولا الخلانُ خلاني
باللات:
يا ساقي العلقم خبرّني
أهذي المُدامة
مُرْ زمانك أم زماني" (3)
آخر من صوّرك في "قصر النرجس" وكأنك تريدني أن أشهد بدء الرحلة وتلك الطريق التي لا ينتهي
"لأن قدمي تُحبُ الطريق
أمشي ويتبعني الحريق"
كنت تريد أن تعرّفني على من تحب بل الأجمل ممن تحب وكأنك تترك أمانة في عنقي، أنْ هؤلاء الناس أجملهم، وفعلاً فقد عرفت سناء وأختها سوسن وجهاد وغيرهم، كنت مسرعاً وكأنك ترد أمانة ما مستعجلاً الموت لماذا يا صاحبي أهذا ما يسمونه القضاء والقدر!!! ولمَ أنت بالذات أم أنه كان أمراً مقضيا.
ذات ليلة كنت أسير في أزقة أرام كالكهل وحيداً ومتفرداً إلا منك، أحسست ولوهلة، كأنني توحدت مع حجارة الرصيف مع القمامة الملقاة على جنبي الشارع المظلم خلف القصر العدلي كانت قدماي بالكاد تُجرانني وساقاي متعبتين من هذا الحمل – المثقل بالوهن والأحزان، اشتهيت أن أراك تمنيت لو أنك تأتي لتقول لي كعادتك:
"يا ول يا حقير شو صدقت أني متت؟"
لكنك لم تأت وأيقنت بأني لن أراك ولوقت قد يطول
"ما يَفْعَلُ العَبْدُ والأقدار جاريةٌ
بكل حال مكتوفا وقالَ لَهُ:
إياكَ إياكَ أن تبتلَ بالماء" (4)
وعدتك أيها المدفون في روحي بالكتابة في جريدة قاسيون ولم أف بوعدي وأنا الآن أعدك في الكتابة فيها ولن أنقض وعدي، وصدقني لا لأنني أحب الكتابة بل لأنني أحب الشام آرام وأحبك يا أخي أيها المتهم بالورد.
هوامش:
(1) أقوال قيلت في رثاء فاتح العالم الكسندر الكبير – الكامل في التاريخ ج3.
(2) دفتر الغياب – كمال خير بك
(3) مطعم في باب توما
(4) الحلاج
■ آرام 25/5/2007