صفر بالسلوك نيالي
على الرغم من أن معظم أبناء «الشعب» لا يملكون بيوتاً تأويهم وتمنحهم الاستقرار بالتالي، وبالتالي فنحن شعب غير مستقر، وعلى الرغم من أن معظم أبناء شعبنا لا يملكون السيارات كي يهجُّوا أو يهاجروا أو يتغربوا ويغتربوا لا فرق، وبالتالي فنحن شعب مستقر بس رغماً عنَّا، وعلى الرغم من غياب الفروق الطبقية بين أبناء وبنات الشعب فالكل باستثناء طبقة صغيرة جداً نكاد لا نلمحها أندبورية وعايفين التنكة، وبالتالي فنحن شعب منسجم مع بعضه البعض، وعلى الرغم من التعامل اليومي بيننا نحن أبناء الشعب من جهة، وبيننا نحن باقي الشعب مع الفئة الصغيرة التي لا نكاد نراها ولكن من طرف واحد، يعني من طرفنا، لأن شعار تلك الفئة هو: عجبك عجبك ما عجبك الله معك، بس الله معك على وين ؟!
السفارات توقفنا على الدور انتقاماً منَّا لأننا لا نقف على الدور في وطننا أمام الأفران والمؤسسات الاجتماعية، والسفارات تعيد لنا جوازاتنا دون أن تعطينا الفيزا بعد لطش المئة دولار منا وإرسالها إلى المواطنين المتحضرين في الدول المتحضرة، ونذهب إلى حكومتنا لنستجير بها فتقول لنا «خرجكن بتستاهلوا كل شي عم يصير لكم .. بدكن تهاجروا ها ؟!».
شبابنا يعملون ليلاً ويدرسون نهاراً، حنظلة عامل في بوب ليلي يعطيني طلبي ويقول لي «أهلاً زميل» فأتساءل عن أية زمالة يتحدث، فيجيب بأنه يدرس الصحافة، وعمار الذي كان يدهن لي بيتي قال لي «مرحبا زميل» ثم اكتشفت أنه يدرس التمثيل شتاءً ويعمل دهاناً صيفا، وكذلك يفعل وسيم زميله في الدفعة، وتعمل أريج في ناد رياضي صيفاً وتداوم في معهد التمثيل شتاءً، بينما صديقي الذي يشطف الدرج عندنا، حسن، فهو زميلي أيضاً في كلية الصحافة، وعادة ما يأتي ليشطف الدرج ونحن نتناقش في أمور «مهنة المتاعب»، وتختلط الأمور علي فأساعده في شطف الدرج لأنني أعرف أنه زميلي ولكنني أخربط أحياناً .. هل نحن زملاء في الصحافة أم في شطف الأدراج؟ بل إنني اعتقدت أثناء حديثه عن مهنة المتاعب أنه يتحدث عن مهنة شطف الأدراج !!
إلى أين سيمضي الشاب السوري ؟!
الأبواب مغلقة، لا السفارات تحترمه، ولا الوطن يقدم له الدعم الكافي، ولكن يبقى أن هؤلاء الشباب سوريون ويحبون بلدهم لكثرة ما سمعوا عنها في كتاب القراءة، ولكثرة ما قرؤوا اللافتة التي تقول «لكل إنسان في العالم وطنان.. وطنه الأصلي وسورية»، ومن شدة ولعهم بهذه الفكرة، وبعد أن يئسوا من كل السفارات اللئيمة، قاموا بالسؤال عن السفارة السورية في دمشق، وبالطبع فقد دلّهم عمو الشرطي قائلاً: «السفارة السورية.. تالت دخلة عاليمين» وبحثوا وبحثوا عن السفارة السورية في دمشق ولم يجدوها فجلسوا يفكرون بحزن: لكل إنسان في العالم وطنان.. وطنه الأصلي وسورية.. إلا السوري فلا وطن له.