ربما ما بين المسرح وصالة الأفراح
في مكان ما من المدينة، جمعت صدفة معمارية مبنيين متجاورين للقاء الإنساني: مسرح وصالة أفراح.
المبنيان المشتركان في الفسحة والحديقة، يجذبان المرء لمراقبة كيف يكون اللقاء أمام كلّ منهما، فثمة ما يغري، ويصير الفضول، ولا بد من تسجيل ملاحظات، بين هذا وذاك، كأوجه تشابه، أو نقاط اختلاف، على حدّ سواء.
لنبدأ مع وجوه الاختلاف.. باب المسرح عبارة عن قضبان حديدية، تم لصقها إلى بعضها البعض، لتبدو نسخة تقليدية عن باب السجن، أمّا باب صالة الأفراح بلوريّ، تعلوه قنطرة رخامية عليها نقوش أسطورية، تمثّل لقطات من تراث الحب، ليبدو الباب بأبهة قوس نصر.
يأتي رواد كل من المكانين بطريقة وشكل تختلف في كل مكان عن الآخر، فغالبية المدعوين للعرس تقلهم السيارات الفارهة، وحين ينزلون منها تظهر الأناقة، والعناية الكبيرة بالهيئة، وفوق كلّ ذلك يحملون باقات زاهية من الأزهار. في حين أنّ القادمين إلى المسرح يصلون راجلين، والبهدلة، أو بتعبير أقلّ قسوة، قلة العناية بالمظهر، تسمهم جميعاً. وفوق هذا كلّه تثقل مشيهم الأكياس والحقائب الشخصية. وفيما يقوم باستقبال أهل العرس فريقٌ بشوش، يهللل ويرحب، بما يمنحهم المزيد من الثقة، والإحساس بالأهمية، يجد أهل المسرح أنفسهم أمام موظفين عابسين، يسألونهم، مع تكشيرة غضب عن التذكرة.
من يأتون المسرح إنما يأتون أفراداً مشرذمين، بينما من يأتون العرس هم أسر كاملة لا تقتصر على الأسرة الصغيرة من أب وأم وأبناء وحسب، بل هناك الجد والجدّة والأعمام والأصهار...الخ، في تأكيد هذا المكان على البعد الاجتماعي الذي ما يزال يجعل من المشاركة أمراً يعني الجميع، ومن كل الأعمار.
تلقائياً أنت تراقب نساء العرس القادمات من كرسي الكوافير فوراً، ومع فساتين السهرة التي لعبت بها مقصّات إغوائية، وأحذيتهن ذات الكعوب العالية، لن تفكر، مجرد تفكير، بمقارنة بين الجانبين، فالواقفات على ضفة المسرح، وبتعبير مهذب جداً، عاديات.
الجميع، عند المسرح، يراقبون بوجوم كتيم، وملامح خشبية، الآخرين الذين يدخلون من تحت القنطرة فرحين، سعداء، مسرورين، ودون أن يخامرهم أدنى فضول للسؤال عن أولئك الناس، غريبي الأشكال والهيئات، لأنهم يعرفون أنهم ليسوا أكثر من حمقى، لا ضرورة للسؤال عنهم.
مسألة أخرى لا بدّ من الإشارة إليها، وهي أنّ الصالة مفتوحة، دون موعد محدد، يحتمل التأخير والتأجيل، بينما المسرح مغلق الأبواب مع أنّ الموعد المحدد فات منذ ما يزيد على نصف الساعة.
أما أوجه التشابه فقليلة إلى حدّ ما، وربما يمكن تلمسها في التعب، فأهل العرس متعبون من الرقص، واستخدام الجسد في متع كالدبكة والغناء، أما أهل المسرح فمتعبون من النعاس الذي سببه العرض الرديء، كما أنّ كليهما يخرجون متعرقين، فإذا كان تعرق مدعوي العرس لنفس أسباب تعبهم، فتعرق أهل المسرح ليس إلا لعدم تشغيل مكيفات الصالة..