حين يشبه الشِعرُ صاحبه
«منذ ماء كثير» مجموعة شعرية للشاعر وليد الزوكاني صدرت عن دار اسكندرون، تستحق هذه المجموعة القراءة فعلا، ليس بسبب الجماليات الفنية المتقن استخدامها فقط، بل لأن وليد (منذ ماء أكثر) آثر الصمت في بلده سورية، لكنه كان فاعلا في بلد اغترابه الكويت، فكان مشاركاً في حركة الثقافة الكويتية ولم يزل.. ومن هنا تنبع الرغبة الجامحة في القراءة ليرى المرء أية قاطرة شعرية حداثية يمتطي .. فمنذ مجموعته الشعرية الأولى (ثلاث ليال لقمر أريحا)، صدرت عن دار الطليعة الجديدة في العام /1995/، والتي أعاد طباعتها في هذه السنة أيضا بعنوان آخر: (مرايا منحنية)، انقطعت أخباره الأدبية والشخصية عن كثير من مريديه وأصدقائه فهو لا يأتي بلده إلا لماماً.
ضمت المجموعة ثلاثة عشر نصا شعريا مع إخراج فني جميل نفذه جمال سعيد، في هذه المجموعة تجاوز الزوكاني الموسيقى بمعناها التراتبي، كما تجاوز اليومي، اليومي الذي نأى باللغة إلى مراتع الاستسهال، عَبَرَ كل ذلك لمصلحة اللغة والصورة فانتصر بشعره على مقولة أن كائنا مَهْمَا قلّ شأنه الثقافي يمكنه خط قصيدة نثرية، وكأن وليداً في هذه المجموعة حَمَلَ على أكتافه ذلك الوزر، من صراع الحداثة مع الشكل القديم من الشعر، ومع المنافحين عن هذا الشكل الذين يسألون عن شرعية القصيدة النثرية، ولا يسألون عن شرعية استمرارية القديم نفسه...
من أجواء المجموعة: هل أطلَّ الحصانُ /على حلم سيّدِهِ / فراح يطوي المسافات / مثلما يطوي الحرير لها / حلما / حلما / يا ليت نعلَيّ ريح / ضّيقٌ هذا المكان / وجسمي قفص/
فمن هذه اللغة الدرويشية الموغلة في الشعرية والتي لم يتمكن من ليّ عنقها إلا قلة من أبناء العربية، إلى صورة تبتعد بخالقها إلى متاهات الكشف الصوفي: الأرض ديرٌ/ أجراسه من غبار / الماء فأسٌ / كلما غنّى وطار قوّض قلب الحجارة / الضوء أعمى / يحمل عكاز/ الظلّ /..
بين هذه وتلك، نقرأ هذا الشاعر الذي يطمح بالانتماء إلى كل الأرض.. وكل الأجناس../ ليتني أُعرِّي الماء وأرمي قميص الهواء / ليتني أُعري العراء الذي نرتديه/ لأرى/ عورة الوجود /.
جميل ذلك الدهاء من الشاعر عندما يخلق من نفسه شِعرَه ويكونان توءمين: في صمته خابية مكسورة / النبيذ يُديرُ الحكايات بين الشظايا/ يسامرهنَّ / يحاربُ قدامهن على فرس من غبار../
من يحكي الشاعر ويعريه أمام هذه الحجب إلا شعره.. عش في صمتك أيها الشاعر، لكن ابحث في بلدك عن منبر...