مطبّات القرارات الحكومية والحشرات
من يطّلع على القرارات الحكومية وآلية إصدارها، وإلغائها، ومدى فعاليتها، ومناسبتها للمرحلة التي تصدر بها، يلاحظ أن أكثر الأشياء شبهاً بتلك القرارات هي الحشرات، مع بعض الفوارق البسيطة.. فلو أجرينا مقارنة بين الحشرات والقرارات الحكومية نجد أن كليهما يتكاثر بسرعة مذهلة، فكل حشرة يتولد عنها أعداد هائلة من البيوض واليرقانات والحشرات الصغيرة، وكذلك فإن أي قرار حكومي يتولد عنه قرارات جزئية، تتفرع بدورها إلى قرارات أخرى ولجان وغيرها، (كقرارات الحكومة لتخفيف الروتين عن أبنائها المواطنين).
كما أن الحشرات والقرارات الحكومية كلاهما في معظمه ضار، ونادراً ما يكون نافعاً، فالحشرات منها ما يأكل المحاصيل ومنها ما يؤرق النائم، ومنها ما يلوث الأطعمة، ومنها ما يلدغ، وقليل منها مفيد لفئة محددة، كالنحل مثلاً الذي يفيد بعسله صاحب الخلية فقط بينما يلدغ بقية البشر، وكذلك الأمر بالنسبة للقرارات الحكومية، فمعظمها تضر بعامة الناس في قوتهم (رفع أسعار السلع التي تستورد عن طريق الحكومة) وفي مسكنهم (قرارات الهدم التي تجيز هدم البيوت دون سكن بديل)، وفي وصول العمال إلى عملهم (قرار جعل المواطن يركب وسيلتي مواصلات للوصول من ريف دمشق إلى دمشق)، أما المستفيد من القرارات الحكومية فهو فئة محدودة، هي الأكثر غنى وفساداً في المجتمع!!
وتشترك القرارات الحكومية والحشرات بارتباطهما باللون الأخضر، فكل القرارات الحكومية لا تأخذ صفتها الشرعية ما لم تمهر بتوقيع أخضر اللون، أما الحشرات فمعظمها وليس كلها غذاؤها الرئيسي لتستمر في الحياة هو اليخضور..
كما أن الحشرات والقرارات الحكومية ينقرضان بحسب قانون الاصطفاء الطبيعي، فالحشرات التي لا يناسب لونها لون التربة أو الأشجار التي تعيش عليها فإنها تنقرض تلقائياً (بسبب سهولة صيدها من أعدائها) فتبقى الحشرات الأنسب، وكذلك هي القرارات، فهي تنقرض تلقائياً ولا يعمل بها عندما تصبح غير ملائمة للقوانين والتشريعات، ولكن هنا يوجد فارق ليس بالبسيط، وهو أن بعض القرارات الحكومية تصدر مخالفة للقوانين والتشريعات وأحياناً للدستور، ومع ذلك تبقى معمولاً بها (قرار 1124 الصادر عام 2004 عن وزير الإسكان)، ومنها ما يشوه التشريعات والقوانين وذلك بطريقة تفسيرها بشكل يفرغها من مضمونها (قرارات صدرت تفسيراً لقانون البيئة، قرارات صدرت تفسيراً للقانون رقم (1) الخاص بمنع البناء في مناطق المخالفات).
كما تشترك القرارات الحكومية والحشرات بأن كليهما ينقل الأمراض، فالأولى تحمل الجراثيم والفيروسات المرضية، وتنقلها إلى غيرها، لكن دون أن تصاب هي بها، وكذلك القرارات الحكومية فهي تصيب جزءاً من القطاع الحكومي ببعض الأمراض وتنقله بالعدوى إلى القطاعات الأخرى الحكومية وغير الحكومية، فمثلاً القرارات التي تحرض على الفساد في مكان ما، تنقل عدوى الفساد إلى أماكن أخرى (قرارات تعيين الموظفين الجدد في الدولة) التي تفسح المجال واسعاً أمام أبواب الفساد، أو القرار رقم 2059/ل/4/د بتاريخ 10/8/2006 الذي صدر عن وزير الإدارة المحلية والذي يحرض الناس المشمولين به على سرقة الماء والكهرباء، فقد نقل عدوى سرقة الماء والكهرباء إلى الناس غير المشمولين بهذا القرار..
وهناك أمر آخر تشترك به كل من الحشرات والقرارات الحكومية، وهو طريقة المكافحة، فالحشرات تكافح بحشرات أو حيوانات أخرى تتغذى عليها إضافة إلى وجود مختصين بابتكار مبيدات للقضاء على الضارة منها، وهناك أنواع من هذه الحشرات تنشأ منها مع مرور الوقت سلالات تستعصي على المبيدات التقليدية إلى أن يتم ابتكار مبيد فعال للقضاء عليها، وكذلك القرارات التي تثبت عدم فعاليتها، فهي تعالج بقرارات أخرى تلغي سابقاتها، مع أنها تكون أحياناً أشد ضرراً منها، وهناك قرارات تعالج بقرارات جزئية لاحقة تلغي بعض أجزاء القرارات السابقة لها ثم تصدر قرارات لاحقة تؤجل موت القرارات السابقة إلى أن يصدر قرار حاسم يلغي كل القرارات السابقة بعد أن يكون قد استفحل مفعولها السلبي (كالقرارات المتلاحقة لإلغاء التعامل بقسائم المحروقات) والتي لم يصدر قرار حاسم يلغيها.
أما الفارق الوحيد بين الحشرات والقرارات الحكومية، فهو أن معظم الحشرات تصدر رائحة كريهة بعد أن تحرق، أما القرارات الحكومية فهي لا تحرق إلا بعد أن تفوح رائحتها الكريهة.. هذا إذا حُرقت!
ويبقى هناك فارق جوهري بين الاثنين وهو أن الحشرات تبني ممالك مزدهرة، أما الحكومة فلا نعرف حتى الآن ما هو مخططها؟؟!