صفر بالسلوك أغاني الوجع
يرفض الأكراد الفنان الكردي إذا لم يلمس الوجع الكردي ولو لمرة في حياته الفنية، فالوجع الكردي ركيزة أساسية في حياة أي كردي يعيش على سطح الأرض، والكردي الذي لا يحمله ليس كردياً، لكن هناك فرق بين من يحمل وجع شعبه بشكل حقيقي وبين من يستعرض به ويخوِّن الآخرين به، ويجعل من الوجع الكردي تجارة رابحة يحتكرها البعض ويستشرس في الدفاع عن احتكاره لها، ولأن الكردي كما قلت لا يعترف بفنان كردي إلا إذا لمس وجعه الكردي فقد انتشرت الأغنية القومية الكردية بناء على حاجة اجتماعية كردية بحتة، والطريف أن الأغاني القومية الشهيرة غناها السكان المتعايشون مع الأكراد في الجزيرة السورية بطرب شديد من عرب وسريان وكلدان وأشوريين وأرمن وجيجان وشركس وتات وقرباط..إلى آخره،
فغنى سعيد يوسف ومحمود عزيز وآرام ديكرن الأرمني وغيرهم، ولكنهم قدموا عطاءهم الفني في ألوان الحياة المختلفة وخصوصاً الحب ليبقى الكردي عاشقاً للحياة كسمة بديهية من سماته، وجاءت تجربة محمد شيخو لتلخص الوجع الكردي بين طيات تجربتها العميقة، حتى أغاني الحب التي غناها ارتبطت بالوجع الكردي عند الناس لشدة ما كانت تريد أن يكون محمد شيخو صوتها المتألم، ولكن تجربة شفان التي ظهرت منتصف السبعينات قادمة من أوروبا حيث يقيم ومن الجزيرة أيضاً نظراً لقرب قريته في تركيا من الشريط الحدودي فتحت باباً جديداً للوجع الكردي بأن يعبر عن نفسه بشكل صارخ وهادر شكل فيها شفان الوعي الشبابي الكردي بداية الثمانينات، ومع نجاح شفان تتالت التجارب في هذا النوع من التجارب وانتشرت ظاهرة شعراء الحزب ومطربي الحزب وفناني الحزب وأصبحت الثقافة الفنية الكردية ثقافة حزبية بامتياز، وبرزت ظاهرة التخوين ونظريات المؤامرة على سطح العلاقات بين المثقفين الأكراد، فتراشقوا بالحجارة الإيديولوجية لفترة من الزمن، مما استدعى أن يظهر فنان جديد وهذه المرة يخرج من تربسبي قرب القامشلي ويقدم صوتاً جديداً منبثقاً من تجارب آرام ومحمد شيخو وسعيد يوسف ومحمود عزيز، إنه جوان حاجو الذي استطاع أن ينتشل الشباب الكردي من الفخ الحزبي ويمضي بهم رويداً إلى عالم أرحب وأوسع، ولكنه ما كان ليحوز على هذه الجماهيرية لو أنه لم يتطرق إلى الوجع الكردي وما زال، فوجب أن نقول إن السبعينات كانت عصر محمد شيخو، والثمانينات عصر شفان، والتسعينات عصر جوان حاجو، فمن سيكون بطل الوجع الكردي على ساحة الغناء الكردي في السنوات العشر الأولى من الألفينات؟!!
وضمن هذه الموجات الثلاث في الأغنية الكردية القومية برز مرتزقة الغناء الذين تاجروا بالوجع الكردي وكرَّسوا أنفسهم فنانين وكتاَّب وشعراء ومثقفين باسم الوجع الكردي، ولكن روح الحياة في الشباب الكردي لم تعد تُخدَع بسهولة، وأصبحت مساحات الفن الحقيقي هي ملاعبها، ولم يعد تجار الوجع الكردي نجوماً مسلَّطين على المجتمع الكردي يمارسون عليه كافة أنواع الأستذة والتعالي .