قصر فهم الرؤيا
أحزن كثيراً لعدم إدراكي لنون النار. عشت مع احتكاك الحجر بالحجر وظهور الشرارة الأولى، ومع إشعال القصب والقصل، مع سراج الحرامية والقنديل، ورومانسية السراح، مع الاصطلاء بجانب الموقد، كما تمنيت أن أتعلم إشعال الموقد، وإنارة السراج، وتحضير الحطب، وأخيراً تعلمت شد الفتيلة، ووضع الشعلة فوق سقف الكهف، ثم انتقلت إلى الكاز، ورفعت السراج، ونظفت الزجاج، وكلها أيام مغطاة بزمن شبه مظلم إلا من ترنم على حروف المساء حيث نور القمر.
أما في الليالي المظلمات فنور هزيل لا يكفيه الترتيل، ولا الغسيل، ولا يكفيه المنقل، والمقلاة، فمقلاة الكبة المقلية يلزمها تبابعة وتبّع للأخصاص الذين يتصفون بسوء الامتصاص، وهم ليسوا من نوع جلاوزة وهميين، وحينها تحرق النار ذقونهم. نعود للنار، فأخيراً حضر التيار يا مغوار، وأقول في نفسي من هو المغوار؟ أجيب هو الذي يتنور من أجل لذة النور، وحينها يقع في التنور. جاء التيار وأنار من أنار، فهل نبقى في جنة التيار يا ثرثار أم نتقدم؟ ونجد أنواراً أخرى ولا نبقى تحت شجرة السراج نعيش شاعرية الأمواج؟ إنه قصر فهم الرؤيا عن إدراك أبعاد القص في بستان الكون، وفي ذلك الحين تغمض العينان بحس بليد.
يقول الناقد نضال الصالح في كتابه (القصة القصيرة في سورية) (قص التسعينات) الصادر عن اتحاد الكتاب عام 2005:
«وفي معرض حديثه عن لغة القص في مجموعة الأديب وليد إخلاصي (ما حدث لفترة) (.... وتجدر الإشارة هنا إلى أن هاجس التجريب الذي يسم مجمل تجربة إخلاصي الأدبية لا يمس هذا المكون لديه).. انتهى الاقتباس.
أي أن وليد إخلاصي في كل عمل أدبي له يجرب شيئاً جديداً في تقنيات النص وهذا صحيح، فالوقوف عند طابع معين موت، والاقتصار على سمة واحدة موت، والعمل على خط أدبي معين موت، أما التجريب وكشف الجديد فهو الحياة. كشف الجديد والتجديد غير الرؤيا من الوراء، وغير الرؤيا من القدم إلى الأرض: فالتجريب والتجديد رؤيا من العين إلى فوق.