الشباب والمشاريع الثقافية العربية
عبر سنوات مضت، والمشهد الثقافي العربي يسير نحو انحدار خلف انحدار، بشكل غير متوقف، ويجر معه في انحدار المشاريع الثقافية الخاصة بالقوميات الأخرى في المنطقة من كرد وتركمان وأمازيغ وغيرهم، دون أن نجد من يضع حداً لحالة الاندحار هذه، والتي تأخذ معها الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مما يجعلنا نطرح تساؤلات كبيرة حول هذه الحالة الغير معقولة، وغير مقبولة نحو مشهدنا الثقافي.
أولى هذه التساؤلات حول ذاتية المثقف العربي وطبيعة تعاطيه مع السلطة ضمن المحيط العربي، وتساؤلات كثيرة أخرى يجب علينا اليوم طرحها، وخاصة بين فئات الشباب العربي الذي يمكن أن نسميه الواعي، على العديد من المثقفين والنقاد حول:
ما سبب هذا الإخفاق الثقافي الكبير الذي نعانيه اليوم ولدينا هذا الكم الهائل من أعداد المثقفين، والمبدعين، والشعراء، والروائيين، من كلا الجنسين، والذين ثبت فيما بعد أن جزءاً كبيراً منهم مجرد أسماء وتجارب شملها تعداد المثقفين، أو أبرز جزء كبير منهم الصراع بين السلطة والمثقف الحقيقي، مما استدعى بالسلطة أن تستغل الإعلام في إبراز بعض شخوصها على أنهم مثقفين لتتصدى بهم للمشاريع الثقافية الحقيقية من ناحية، أو لتمرر ما لديها من مشاريع تخدم أهدافها وأفكارها وسياساتها عبر هؤلاء بزعم أنهم مثقفو المجتمع ونخبه.
وما طبيعة أو ظواهر المشهد الثقافي العربي. ولماذا هذا التركيز على ما يسمى المشروع العربي مع إغفال كامل لأن هنالك ثقافات أخرى لدى أقليات عرقية وإثنيات في داخل المجتمع العربي يتم تجاهل ثقافتها، أو تهمشها بشكل ظاهر، أو غير معلن، أو محاربتها ضمن مشاريع سياسية كبرى.
ومن ناحية أخرى؛ ما يحيرنا هو جهل ذلك المثقف بقضاياه المصيرية، ومسألة الهوية، والعديد من القضايا، فتصيبنا الحيرة كيف اعتُبِرَ هذا الشخص مثقفاً فقط لأنه طبع ديوانا شعرياً قد يكون باللغة العامية، أو طبع بحثاً أكاديمياً مطولاً في كتاب ليضيف اسمه إلى قائمة المثقفين الطويلة جداً، أو أكتسب عضوية إحدى اتحادات الكتاب بناء على علاقته مع فلان من الاتحاد، أو علاقته مع تلك السلطة التنفيذية بداخل تلك الرابطة أو الاتحاد، أو طبلت وزمرت له تلك الفضائية، ومنحته مليون رسالة قصيرة ليصبح شاعر أو روائي المليون مشاهد.
والأدهى والأمرّ أنه يوضع فيما بعد في مقارنة مع مثقفين حقيقيين أو عضويين –بحسب جرامشي- الذين يحملون المشاريع النهضوية التي تُطرح لإخراجنا من مآزق كثيرة أبرزها حالة الاغتراب الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا وخاصة بين فئة الشباب، وهروب الشباب من حالة البطالة والحالة الاقتصادية المتردية، والهروب من إرث الهزيمة العربية، ومشوار الهزائم الطويل والتخلف العلمي والفكري عن العالم باللجوء إلى التطرف، وتفشي ظواهر دخيلة على مجتمعاتنا مثل ثقافة الانتحاري، والمتطرف، وتفشي الجريمة والمجرمين بشكل كبير، وانعدام القيم الأخلاقية والإنسانية بين الناس، وغياب الذاكرة الجمعية، وغيرها الكثير التي استدعت بحثاً حقيقياً في طرح هذا السؤال الكبير:
أين يقف المثقف اليوم من كل ما يجري على مرأى ومسمع رجال السياسة والفكر والثقافة، وما حلولهم الجدية والواقعية إزاء ما يجري، وأين هي مشاريعهم الجدية التي من الممكن أن تنهض بالمجتمعات في الدول النامية لتوصلها لركب الحضارة، وتخرجها من تصنيف العالم الثالث إلى الثاني أو الأول –رغم تحفظي على هذا المصطلح الذي أوجده المنتصرون في الحروب العالمية لتقسيم العالم طبقياً- والوقف بشكل جدي على ما يحدث في العالم، ووقف استغلال الشعوب والناس البسطاء وتسخيرهم لخدمة تحالفات سياسية كبرى، وجعلهم يخوضون حروباً بالوكالة عنهم، عبر تخديرهم بشعارات كبيرة، مثل مفاتيح الجنة، والطريق إلى الجنة يبدأ من كابول، وغيرها من شعارات سممت عقول الشباب العربي وقتلت في المجتمعات زهرة نهوضه.
وكيف يمكننا أن نمتلك مشروعاً حضارياً علمياً، ووصولنا فيه إلى صرف المجتمعات عن ثقافات الغيبيات، والاتكالية.
والأهم من ذلك كله، متى ستستطيع هذه المشاريع الثقافية أن تبتعد عن برجوازيتها، وتنزل للشارع وتخاطب فئات من الشباب العربي تعاني هجمة شرسة من العولمة بكل أدواتها الإعلامية، والتقنية؟
أين شبابنا اليوم في تعداد المثقفين المنجزين الحقيقيين والفعلين في مجتمعاتهم، ولماذا يتم تجاهل إنجازاتهم من المؤسسات الرسمية المعنية، في مقابل تكريس أسماء لم تعد اليوم تحمل كما في السابق ما يمكن أن يكون حقيقياً ؟
■ كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في الأردن
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.