صورة عائليّة لـ«كارلوس دروموند دي أندرادي»
كارلوس دروموند دي أندرادي ( 1902-1987) يعدّ الشاعر البرازيلي الأبرز في القرن العشرين. ولد في إيتابيرا، ميناس جيرايس، جنوب شرقي البرازيل، متحدّراً من أصول برتغالية و سكوتلاندية. درس الصيدلة و لم يزاولها قط. أمضى معظم حياته موظفاً حكومياً.
تخلى أندرادي عن النبرة الساخرة و التقليدية التي وسمت بداياته، متبنياً الشعر الحر لويتمان تحديداً، واستغرق طويلاً في كتابة الكثير من القصائد اليومية مستنطقاً أبسطَ الأشياء التي تحيطُ به، متطرقاً أحياناً إلى السياسة التي لم يفارقها في كثيرٍ من أعماله. يقول في قصيدته الشهيرة( جوزيه): ( المفتاحُ في يدك،/ تريدُ أن تفتحَ الباب...../ لا باب(.
في ملحمته المتأخرة ( آلة العالم)، حيث نلمح التأثير الكبير لدانتي و ت. س. إليوت، المتكلمُ الذي يسرد القصيدة يتلقى زيارة غريبة من هذه الآلة التي تمثّل حدودَ كل معرفة ممكنة و تحتوي خلاصةَ الأجوبة على كلِّ الأسئلة التي تؤرّق الإنسان؛ تتصاعد القصيدة في نبرة درامية باروكية عالية، و في ختامها يرفضُ الساردُ المجهول هبةَ المعرفة اللانهائية، و يكملُ مسيره الحزين على الطريق الموحش.
بعضٌ من الشعراء الأمريكيين البارزين ترجموا أندرادي إلى الإنكليزية، و من بينهم مارك ستراند و لويد شوارتز؛ و في إحدى حواراتها قالت مترجمته الأولى الشاعرة إليزابيث بيشوب التي عاشت في البرازيل وقتاً طويلاً:«لم أعرفه بتاتاً. قيل لي أنه خجول للغاية. و أنا مثله خجولة. التقينا مرة واحدة على الرصيف في الليل. كنا خارجين للتو من المطعم نفسه، و عندما تعارفنا قبّلَ يدي بلباقةٍ جمة».
أجل، هذهُ الصورةُ العائليّة
مغبرّةٌ قليلاً.
وجهُ الأب لا يُظهِرُ
كم من النقودِ جنى.
أيدي العمّين لا تكشفُ
عن الرحلاتِ التي قاما بها.
تقاطيعُ جّدّتي مصفرّةٌ و ملساء؛
لقد نسيَتْ عهدَ المَلَكية.
الأطفالُ، كم تغيّروا.
وجهُ بيتر المفعمُ بالسكينة،
تقلّدَ أجملَ الأحلام.
ما عادَ جون كذّاباً.
لقد أمستِ الحديقةُ حديقةً فانتازية.
الأزهارُ نياشينُ رماديّة.
و الرملُ، تحت أقدام الموتى،
محيطٌ من الضباب.
بين المقاعدِ المصفوفةِ في نصفِ دائرة
ثمة حركةٌ ملحوظة.
الأطفالُ يتبادلون أمكنتَهم،
لكن دون ضوضاء! لأنها صورة.
عشرون عاماً وقتٌ طويل.
قد تغيّرُ أيّةَ صورة.
إذا اعترى الذبولُ وجهاً
بادرَ وجهٌ آخرُ إلى الابتسام.
كلُّ هؤلاءِ الغرباءُ الجالسون،
أقربائي؟ لا أصدّقُ.
إنهم ضيوفٌ يروّحون عن أنفسهم
في دارةٍ يندرُ أن تُفتحَ للآخرين.
تبقى ملامحُ العائلة
ضائعةً في لعبةِ الأجساد.
لكن ثمة ما يكفي كي نخمّنَ
إن الجسدَ مفعمٌ بالمفاجآت.
إطارُ هذهِ الصورةِ العائلية
يمسكُ بأشخاصِها عبثاً.
إنهم هناك بمشيئتهم،
وهم يعرفون-إذا اضطروا- كيف يطيرون.
بوسعهم أن يتخفّوا
في نورِ الغرفة و ظلالها،
و يعيشوا في الأثاث
أو في جيوبِ الستراتِ القديمة.
للمنزل أدراجٌ كثيرة،
أوراقٌ، سلالمُ طويلة.
عندما تتضايقُ المادّةُ
فمَنْ يعرفُ ما تضمرهُ الأشياءُ من حقد؟
الصورةُ لا تجيبُ،
إنها تحدّقُ؛ في عينيَّ المغبرّتين
تتأمّلُ نفسها.
الأقرباءُ الموتى و الأحياء
يتضاعفون في المرآة.
لا أميّزُ الذين رحلوا
من الذين بقوا.
لا أدركُ إلا
الفكرةَ الغريبةَ للعائلة
تسافرُ عبر الجسد.