«أنثى اللون» ولون التأنيث
«أنثى اللون» هو الديوان الثالث للشاعر والقاص وفيق أسعد بعد ديوانيه «لهاث» 1997، و«انفجار الجلنار» 1999، وهو من إصدارات دار بعل لعام 2009، وهو الديوان الثامن في قائمة مؤلفات الكاتب.. يقع الديوان في خمس وعشرين ومئة صفحة من القطع الوسط، ويضم خمساً وثلاثين قصيدة، أما لوحة الغلاف فهي للمؤلف، وهي لوحة معبرة توحي بأشياء إنسانية جمالية عالية، وقد بدأ الشاعر ديوانه بجملة: «رقّعوا أجسادكم بالقبل»، وأقول: رمموا الزمن بتناول الشفاه، الزمن الذي نمر به كل ثانية، و«رقعوا أجسادكم بالقبل» لغة إنسانية عذبة تتصل بعذوبة أنثى اللون.
سنقرأ «أنثى اللون» قراءة فنية أي قراءة فنية القصيدة وأسلوبها، وحداثتها، فالموضوع لا يهم في كثير أو قليل في الأدب، فالمواضيع مرمية بكثرة هنا وهناك، والمهم كيف تناولها الشاعر في شعره، سنقرأ الصورة الشعرية والجملة والفعل والتكثيف والعناوين والصفات والضمير والأسلوب والشاعرية وغير ذلك من قضايا.. كي نكشف ما قدمه لنا الشاعر في ديوانه هذا.
كتبت كل القصائد على نمط القصيدة الحرة، وأقصد بها القصيدة الخالية من الوزن والقافية أو القصيدة التي سميت خطأ باسم قصيدة النثر، لقد تخلى الشاعر بالكتابة بهذا النمط الشعري عن الوزن والقافية، والقيود الأخرى، التي هي فعلاً تقيد الشاعر ضمن قوالب عتيقة لا عمل لها. أما أسلوبه في القصيدة فلقد اتبع الأسلوب غير المباشر في أكثرية القصائد فمن خمس وثلاثين قصيدة جاءت المباشرة في أربع قصائد فقط، وكان هذا شيئاً بعيداً عن الإسهاب والشرح والتفسير، بل كان التكثيف هو الظاهر في كل الأدبيات الشعرية لذا فالقارئ يقرأ البيت عدة مرات كي يصل إلى جماليات القصد ويتعرف إلى اللوحات البعيدة العميقة في أزمان الشاعر.
بدايات القصائد إجمالاً بدايات فيها دهشة ومفاجآت تحمل العمق والسير في دورب غير معروفة النهاية في إطار أسئلة موحية غير دالة، أحياناً بشكل استفهام وأخرى على شكل معطى غير مؤطر، وفي مرات ثانية ضمن لوحة جمالية تمشي الهوينى دون انفعالات وقلما نجد بداية دون تطريز وتوشية للأشياء.
نهايات القصائد في «أنثى اللون» كلها مغلقة عدا خمس قصائد مع أنه في الشعر، وخاصة في القصيدة الحرة، يجب أن تكون النهايات كلها مفتوحة، والقصائد المغلقة النهايات كأنها تقول للقارئ انتهى المشهد هنا في هذه الزاوية وضمن هذا الزمن، وفي هذا المكان.
ولكن القارئ سيعفى قدر الإمكان من سبر القصيدة كما يجب، وتوفر عليه التعب.
الصور الشاعرية كثيرة في الديوان، وأكثرية القصائد ملأى بصور شفافة عميقة، بعيدة التأمل، تشكل لوحات غير معروفة سابقاً فهي تحقق حلم الشاعر بالاكتشاف وتقديم الأحلى للقصائد والمستمع وتحقق الولوج إلى عوالم لم يلجها أحد بعد، ومن بعض القصائد نختار باقة من الصور الشعرية العلية والمتألقة.
فمن قصيدة «توابل الزمن» نقتطف: العاشقون/ قطيع من الحب يخبئهم السر/ ويسترهم عشب زاره قطيع/ خريف لا يحلم بأن تحمله الريح/ أبعد من مسافة قبلة تود الهبوط.. ص27.
ومن قصيدة «السلال تحي ابتسامات الأشجار» ص48 نقتطف: ابتسم/ وأنت تغسل نهديها بماء الورد/ أنت تلمس بشفتيك زلال سوسنها/ بملء حزنك ابتسم.
وهناك عشرات الصور التي زركشت الديوان.
في الديوان قصيدتان اتبعا أسلوب الحوار، ولقد جمل الأسلوب الحواري هاتين القصيدتين وألبسهما جماليات حلوة وزركش أبياتهما وحلاها، وهاتان القصيدتان هما:
نير السؤال ص51.
لملم شباكك وارتحل ص61.
ونقتطف من القصيدة الأخيرة بعض الأبيات لنبين جمالياتها: مسامرة الليلة اشتياقات واشتقاقات... - صوتك لم يعد غلالة؟/ - هذا هدوء الليل،/ - أخاف أن تشرد الغزالة ويضيع الصياد!/ - من منا الصياد؟/ من الطريدة؟
من هذه المسامرة المستمرة في القصيدة نلحظ صوراً جمالية واستفهامات وأجوبة كل هذا أتى في سياق الحوارية التي استشهدنا بها.
العنوان وخاصة في الشعر له خصوصية لها دلالاتها وإشارتها وهو غيره في النثر، ففي الشعر يكون العنوان مشاركاً في الصورة الشعرية وفي الإبداع وفي حداثة الشعر، ويكون عميقاً بعيد المقصد ولم يبق العنوان دليلاً للمعاني ودليلاً للقصيدة، بل هو ساهم في كل أزمانها وأحلامها.
أما عناوين الديوان الذي بين أيدينا فقد أدت ما عليها وساهمت في خلق لوحات جميلة، فمن عنوان الديوان «أنثى اللون» الذي يفرض على القارئ التفكير في إيماءاته حتى العناوين الجيدة الأخرى هناك دخول وخروج إلى أعماق القصيدة وقطف جمالياتها وخلق لوحات غير معروفة منها.
ادخل الشاعر أسلوب التقطيع في ديوانه في كل ما يعنيه، فكان هناك التقطيع بالنقاط في قصيدة «اشتهي قدميك» والتقطيع الرقمي والتقطيع حسب الأحرف..
إذن نقول: إن التقطيع كان في خمس قصائد من قصائد الديوان، ولقد حلى التقطيع المذكور القصائد وهو تعبير من طرف الحداثة في كتابة قصيدة التفعيلة والقصيدة الحرة.
«أنثى اللون» فيه لغة جديدة ومتطورة عن دواوين الشاعر وفيق أسعد السابقة ولكنه ليس التطور المطلوب منه، ويبقى ديوانه «أنثى اللون» علامة على إمكانيات على ما سيأتينا به في المستقبل.