جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

أدب الطفل الإسرائيلي..صناعة السفاحين تبدأ من هنا..

للأدب في سياق حياتنا أهمية خاصة تنبع من كونه المرآة العاكسة لجملة العوامل المعرفية المكونة لثقافة مجتمع ما، وتمايز هذه الثقافة اتجاه الأغيار، على اعتباره أداة التثقيف ونشر الفكر الرئيسية .

ومن هنا جاء الاهتمام الكبير بالأدب، وخصوصاً أدب الأطفال الذي وصل إلى درجة عده أهم أنواع الأدب وأخطرها، لأنه يعمل على التوجيه في مرحلة مبكرة من الحياة، وهي المرحلة التي ستحدد المعالم الرئيسية لشخصية الطفل، فما يكتسبه الطفل في سنوات عمره الأولى يؤثر في تركيب الشخصية وتكوين أفكاره وقناعاته واتجاهاته في المستقبل. ونظراً للدور الكبير الذي يضطلع به أدب الطفل في سياق العملية التربوية، فقد أولته الدول والمؤسسات التعليمية فيها عنايتها القصوى واعتمدت عليه تاريخياً في  إنشاء جيل مؤدلج عاكس لثقافة تلك الدول وأنظمتها الحاكمة على تنوع مقاصدها، وهذا الأمر ما كان ليغيب عن فكر الحركة الصهيونية العالمية التي اعتمدت منذ نشأتها على المفكرين والمثقفين الصهاينة لرسم سياستها الاستعمارية العالمية.
يسجل التاريخ أن أول ظهور ممنهج  لأدب الأطفال عند الحركة الصهيونية كان عام 1905م من خلال مجموعات من القصص القصيرة التي كانت مصادرها دينية بحتة، ومفعمة بالقيم اليهودية العرقية، وما يتصل بها من عادات وطقوس وأعياد، من أجل تنشئة الأطفال تنشئة سياسية في أطار ديني صهيوني تاريخي يهدف لخلق الإيمان بفكرة الشعب اليهودي الواحد.
ومع تطور الحالة السياسية العالمية، وما قيل أن اليهود قد شهدوه من اضطهاد عرقي على يد النظام النازي في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، وهو ما سمي بـ«الهولوكست». ظهرت إلى العلن قصص الأطفال المركزة على هذا الاضطهاد العالمي لليهود، لمجرد أنهم يهود، بما حوته من تهويل للحوادث، ثم التنظير لفكرة أرض الميعاد وهي فلسطين التي وعد الله بها (إسرائيل) إسحاق عليه السلام ليقيم بها مملكة الرب لشعبه المختار وهم اليهود، والتركيز على ضرورة العودة/ الهجرة إلى (إسرائيل) لان تعاليم التوراة لا يمكن تنفيذها كاملة إلا فيها، حيث صوروا السكنى فيها على أنها دليل الإيمان، ومن يقيم خارجها فهو كافر.
ومع إنشاء كيانهم الغاصب المسمى (إسرائيل) على أرض فلسطين أخذ أدب الأطفال منحى آخر، فصار يركز على ذكر الشخصيات اليهودية المستوحاة من التوراة في مرحلة التيه ودخول أرض كنعان لتلهب حماس الأطفال لبناء دولة جديدة تصل تاريخ اليهود الماضي بحاضرهم، مستخدمين رموزاً دينية كثيرة أشهرها «داود وقتله لجالوت الجبار»، و«الشمعدان السباعي»، و«الدرع المقدسة»، واعتمادهم على إيراد الكثير من مفاهيم الثقافة العسكرية، والاستخدام المفرط للفظ الحرب وتصويره على أنها الحل الوحيد للدفاع عن وجود الدولة اليهودية المحاصرة بالأعداء الذين لا يمكن التعايش معهم، ولا سبيل لدى (الإسرائيليين) سوى الحرب، لكي يغرسوا في عقول الصغار تقبل ضمني لفكرة الخدمة العسكرية وبالتالي عسكرة المجتمع ككل .
وللعرب في مجمل أدب الأطفال الإسرائيلي حضور من قبيل المفارقة التاريخية، فالعرب موجودون من أيام كنعان مغتصبون للأرض التي وعد الله بها اليهود، وبعد زوال ممالك (يهودا وإسرائيل) عقب السبي البابلي هم مستوطنون للأرض بحكم فراغها من اليهود، فالوجود العربي على ارض إسرائيل وجود طارئ، وغالباً ما يصوِّرونهم بأشكال مفزعة قبيحة المنظر يقطر من عيونها الخبث والمكر، لهم لحية كلحية التيس بملامح دون إحساس، وبأنهم جبناء مقارنة مع اليهودي الشجاع الذي لا يهزم، حيث يكثر في القصص سرد أخبار الأبطال الأسطوريين اليهود، ويرد بأغلب القصص نعت العرب بأوصاف مقززة كالمكر والخديعة والسرقة والجشع والقذارة لغرس قيم الكراهية والحقد الأعمى تجاه كل ما هو عربي.
أدب الأطفال الإسرائيلي هو أدب مؤدلج موجه بامتياز، لا يمت لصيغة العملية التربوية بشيء اللهم من قبيل بناء جيل حاقد دموي لا يقبل الأخر، يمجد التفوق على الأساس العرقي الديني وباختصار هو أفضل الطرق وأنجعها لصناعة سفاحين عنصريين منذ الصغر.