نضال حمارنة نضال حمارنة

الإبداع على عتبات اليومي

هل هناك ملاحظ أو محلل لليومي؟! بمعنى أشمل، هل هناك مؤرخ لليومي؟! وإن كان موجوداً فهو حتماً يسجل اللامرئي في حياتنا.. من أول لحظة  انفصال عن سرير النوم وبداية ممارسة عيش يوم جديد..

فيما يجمعنا بالآخرين بحيث يكون «الآخر» هو الجحيم برأي سارتر، أو النعيم برأي أصحاب الشغف، إلا أن النعيم يبقى لحظات عابرة هذا لو كنّا متدربين على اقتناصها. إذ أن ما نأخذه من كل يوم من ممارسة الحياة، أو ما نتشاطره مع الآخرين يضغط علينا، بل يقهرنا فنتكبد فيه عبء الحياة وصعوبة العيش وما يجعلنا نتجاوز أو على أقل تقدير نمضي أن هناك عالماً آخر نرتبط به وهو عالم حميمية الداخل أو «عالم الذاكرة» بحسب الباحث بيغي، ذاكرة الطفولة والجسد واللذة البدئية.

في عصر الحداثة لاحظ هنري لوفيغر أن اليومي في المجتمع المعاصر أصبح موضوع عناية ومجالاً لتنظيم الفضاء والزمن. فأضحى نتاج المجتمع المنظم والاستهلاك الموجّه في مناخ من الحداثة. في إظهار الخيبة ونزع هالة الافتتان به. ويرى جورج بيريك أن ما ندعوه اليومي ليس أمراً مسلماً به، لكنه نوع من العمى ووسيلة خدر، أي من فرط ألفتنا مع اليومي الواضح في تكرار الحركات والأفعال يغدو غامضاً.

إن محددات الحياة المعاصرة على المستوى الجمعي: الهامشية، الفقر، القولبة، انفكاك الرابط الاجتماعي. وعلى المستوى الفردي: الواحدية، الحركية، نزع الشخصية، الحذر والغفلة.. إلخ.. فتغدو إنسانية الفرد معزولة، متذررة ومهملة وهشة، منزوعة من الأرض ـ أرضها الحقيقية ومن التعلق بالمكان والمحروقة من أي نوع من المركزية لمصلحة قيم التداول والسيولة والانتقالية الدائمة فيصبح عالم اليومي يحوي الأليف والغريب في آن واحد، وما يمكن توقعه وما لا يمكن التنبؤ به بحسب بيغي.

أين يقف المبدع اليوم من اليومي؟! مع أن آلة حرق الدم تلاحقه وتلسعه كل ثانية.. هل ينفصل عن محيطه الطبيعي والثقافي؟ أم ينفرد في وظيفته المدروسة المحضة؟ أم يصبح الإنسان المرن، دون رابط!

أين يقف من مشروع الاستلاب الجمعي، الاستلاب القوي الذي يأخذ شكل العبودية المختارة من أجل الأكل و اللعب والاستهلاك والتسلية وملكية الأشياء أو الحلم بثروة من أجل تحقيق ما سبق..

هل يتمركز على حافات طرق اليومي لينجو من تحويل نفسه إلى سوبر ماركتي؟ أم يذهب إلى ساحات التنقيب بحيث يتصل دون أن يبتذل في الممارسة كأنه الحمل المدجّن في القطيع. وأن ينفصل حين يبدع كالواقف على العتبات ـ عتبات ـ اليومي يخرج من مملكة لاوعيه أحلاماً خارج اليوتوبيا المفروضة، مخترقاً المشكلات التي تملأ يومنا وحياتنا برؤاه الخاصة المتحررة من القوالب.

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 17:42