صالح نمر صالح نمر

ثقافة اللاشيء طوعاً

في الآونة الأخيرة أصبحت أغلب المصطلحات تسبقها كلمة ثقافة (ثقافة النظافة، ثقافة الاستهلاك، ثقافة الحجاب، ثقافة التطوع.... إلخ) وتبقى الثقافة لها مدلولها العام التي لا تعني بالضرورة المخزون المعرفي والعلمي الذي يمتلكه الشخص في جملته الدماغية فحسب، وإنما كيفية عكسها على الآخر بأسلوب يتسم بالوضوح وجلاء الرؤية موضوعي قائم على الترتيب (الزمكاني)، ووضعها ضمن صيغ تتناسب مع مستوى وعي الآخر.

انطلاقاً من هذا الجانب جاءت إضافة كلمة ثقافة إلى هذه المصطلحات للتعريف بجملة من المفاهيم التي هي في حقيقتها مفردات لأنماط من التفكير تحددها البنية التحتية للمجتمع، والطبيعة الاجتماعية للعمل، لتمارسها في الواقع كسلوكيات يومية تصب في خانة الأخلاق، قائمة على نكران الذات والتضحية لكونها طوعية تخضع فقط للإدارة الشخصية، ومن هنا كان لنشر ثقافة التطوع أهمية كبرى باعتبارها محرضاً للناس على فعل الخير والمشاركة الفعلية في النشاطات المجتمعة ذات فحوى إيجابي. في السنوات القليلة الماضية تأسست مجموعة من المؤسسات تتبنى هذه الثقافة في عملها، بعدما كانت مقتصرة في الماضي على أيام الحروب والكوارث، تدعو إلى نشرها، والنضال من أجل إقناع الناس بها، إن لم تكن من باب المشاركة، فلتقبلها، على أقل تقدير، كي تبقى جهودها ونشاطاتها فاعلة في الاتجاه الصحيح، أو حتى لا تخلف ردة فعل قد تكون مناهضة في بعض حالاتها، وخصوصاً في صفوف الشريحة الاجتماعية الفقيرة والتي تشكل الغالبية العظمى من المجتمع السوري، فلكل نمط من المعيشة نمط من التفكير (حسب ماركس)، لذلك لا نستطيع أن نقنع شخصاً لأن نبذل جهداً مجانياً طوعياً لفعل معين، ما لم يكن زائداً عنه، فكيف وهو بأمس الحاجة إليه لسداد قوته اليومي. إذ دون النظر إلى الاحتياجات اليومية. والضرورية للناس، تبقى جميع هذه المفاهيم ضمن إطارها النظري البحت، حتى لو آمنت بها مجموعة من الناس، لأنها ستقتصر على الفئات الميسورة من المجتمع التي تراها في أبهى حالاتها (برستيجاً) خاصاً تضيف إلى شخصياتهم بعداً اجتماعياً أخر من الهيبة والمكانة، وبعض طلاب الجامعات ذوي الاختصاصات الدراسية التي تصب في هذا الاتجاه باعتبارهم غير مطالبين بالعمل خارج إطار الجامعة، وهنا نتساءل إن كانت ثقافة التطوع في بلدنا حالة واعية قد تتطور إلى ظاهرة عامة وهذا ما نتمناه، أم هي تقليد للآخر المتقدم علينا اقتصادياً واجتماعياً وبالتالي فكرياً.

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 17:42