ربمـا! من دفتر اليوميات (1)
5/9/2008
هل أنا متمدن وحضاريّ كما يجب أن يكون إنسان القرن العشرين، أم تراني كائناً متوحشاً من كائنات عصور ما قبل التاريخ؟
كلما تذكّرتُ قولة هربرت ماركوزه: «الحضارة تنظيم الغرائز».. تمثلتها كما يفعل المريد بتعاليم شيخه، هذا في البيت، في وحدة المرء المديدة.. وعلى الدوام أؤكّد لنفسي بها، في مرايايَ النرجسية الصافية: كم أنا رجل جديرٌ بسكنى الألفية الثالثة!! لكنني كلما خرجتُ ودهستني مدرعات الجمال في الشوارع ينتابني شعور حيوانيّ يمزج الشبق بالعنف، الرغبة بالجوع.. فأعوي كما لو في البرية، دون أن يخطر لي مجرّد اعتذار صغير: عفواً ماركوزه العزيز!!
7/9/2008
الطيران تجربة بسيطة على جهاز الكمبيوتر، إنه، وبتعريف بسيط، الانتقال المباشر من باخ إلى فهد بلان.
16/9/2008
أينما ولّيتُ وجهي ثمّة مريض. بين كل ثلاثة أعرفهم يكون الرابع مريضاً. المرض مثل الأوكسجين هنا. امرأة البيت المقابل مطروحة على سريرها طوال الوقت، أراها من النافذة تصارع السرطان وحيدة وعزلاء. الصبية العذراء هناك، في آخر شرفات الشارع الطويل، يغتصبها السكريّ. نساء البيت الذي أقطنه ينطبق عليهن عنوان فيلم آلمودوفار «نساء على حافة الوقوع بأزمة عصبية».. وأنا، مثل الجميع، مريض أيضاً، مريضٌ بانتظار دائي.
14/1/2009
ونحن أيضاً أغانٍ لم تجد شفاهاً تضرّجها بالدّموع التي تنبغي، ولا نايات رعاة يعتقون رقابها في البراري.. نحن أغانٍ شعبيةٌ على وجه الحصر، حتى تحت قصف ليزر الشوارع الفارهة.. حتى في أحياء المخالفات.. أحياناً نكون العتابا معنى ومبنى، وفي أحيانٍ أخرى نحن الموليا لحماً ودماً وعظاماً.. لكنْ هيهات.. أين من يغنّي؟؟
19/2/2009
سأتحدث أيضاً عن السينما، عن هذا الشغف الموسمي الذي يداهم الشخص كلما أصابه الخواء ليعيده إلى أوله.. عن هذا المهرجان الإنساني العظيم الذي يقول لا مكان للمستحيل على هذه الأرض فكلّ شيء تحقّق على الشاشة، كل شيء..
لا أستطيع اكتشاف مساحة جديدة إلا بالسينما. تقريباً الأفلام التي شاهدتها في الفترة الأخيرة: «بستان الكرز»، «الساموراي السبعة»، «أوديسة الفضاء 2001»، «القارئ»، «أطفال الجنة»، «كل شيء عن أمّي»... هي فقط من منحتني الكثير من الثقة على أني ما أزال الكائن الذي أفعله.. وحدها الأفلام من يعيد لياقة السؤال، وتضخ الجسد بالجرعات اللازمة من الأمل.