باب الحارة في القامشلي العكيد: شاعر ومحامي
باب الحارة في القامشلي، باب بيتنا الثاني، في الوقت الذي تصبح المدينة ليلاً بعد التاسعة، أشبه بضيعة أشباح. إذ قليلون هم الذين يمكن أن يصادفهم المرء المهووس بالسير وعشق المساء، ما يمكن أن تراه بعض عمال التنظيفات والقطط التي تنبش في البقايا، ملوثة مساحات كبيرة حولها، في هذه المنطقة، التي تصبح بحاجة لضوء، وهدوء يلوذ به الساعون إلى هدنة مع الآلام والأحلام، يشمخ مكان باب الحارة، الباب الشبيه بشارة المسلسل الرمضاني الشهير، حيث ألبسة العاملين التقليدية، وحيث العكيد مهيمن عبد الناصر الطائي لايشبه سامر المصري كثيراً، لكن ما يحمله من عنفوان يقربه كثيراً من أبي شهاب التواق لأخذ الثأر، ثأر الزعيم عبد الرحمن آل رشي وآخرين، الطرق تختلف..
صطيف ليس هنا ولا مسدس ستخترق طلقاته رأس الغادر، فالعكيد محام وشاعر يمتلك حساً مرهفاً، قارئ جيد من لحظة انطلاق مشروعه أراد له أن يأخذ صبغة روحه لاصبغة التجارة، وإن كان العنوان دعائياً فإن المضمون خالف ذلك، إذ من المتوقع ومن نقاشات كثيرة مع مثقفي المدينة أن تكون هناك نشاطات واحتفاءات بالفعاليات الثقافية الحقيقية لانتشال المكان من سوقيته ووضعه في المصاف الطيب، ليأخذ صفة التهذيب والاتزان، ويتحدد رواده وتتحدد سويتهم حتى لايندب المثقفون حظهم بأنهم في منطقة قصية بعيدة عن مقهى الروضة في دمشق ولابيت للقصيد عندهم، البيت الذي يؤثثه عشاق الشعر لقمان ديركي وصعاليك آخرون معه.
باب الحارة القامشلاوي سيكون بيتنا جميعاً إذ لن نيأس من أن نجد بعضنا من غير مواعيد مسبقة ولن نتأخر عن أناس ينتظروننا ليسمعونا ونحن نحمل قصاصات أوراقنا وتطلعاتنا وأحلامنا بمعارض «قريباً معرض للتصوير الضوئي للفنانة والشاعرة ندى الشيخ»، وحفلات توقيع كتب أو حتى أمسيات، متأملين كل الدعم للتجربة الغضة، والتي يكفيها شرفاً أنها تحاول مد جسر من المحبة بين الجميع وتكون رافداً للمركز الثقافي العربي بالقامشلي وعمل مديره الناجح عبدا لله الملالي، وذلك لتكريس الثقافة الوطنية الحقة دون الإيغال في توصيفها أو تحجيمها.
مايطمئن المهتمين بالثقافة والإبداع، ويجعلهم يمدون يدهم للعكيد مهيمن هذا الشاب الحيوي الطموح هو أنه يقول لكل الذين يتوجس فيهم رأياً صائباً: أنا تلميذكم، وإن كان أستاذاً في مكان آخر.
نحن كشعراء لانريد أن نكون أساتذة، لأن التلاميذ لابد وأن يتفوقوا على أساتذتهم عملاً بمقولة نيتشه: «التلميذ يكافئ معلمه أسوأ مكافأة إذا بقي تلميذاً»، بصراحة إذا كنا لانريد للفرد، أياً كان، أن يتفوق علينا، فإننا لن نزعل إذا تفوق المكان علينا لأننا نحب القامشلي مدينة الحب والشعر ومن يقول عكس ذلك فلابد أن عماء روحه انسحب على عينيه فما عاد يرى الأمور في نصابها الطبيعي.