فراعنة الدراما السورية
قبل سنوات، وفي عقد التسعينات تحديداً، تحول عدد من النجوم السوريين إلى مدراء شركات إنتاج، وقد عنى ذلك أن يمنحوا أنفسهم جميع أدوار البطولة، خصوصاً في أعمال فيها الكثير من معاني البطولة، فاكتسبوا صفات فوق بشرية، وتحولوا بين عشية وضحاها إلى عمالقة، يقومون بأعمال خارقة ويظهرون مقدرات جبارة،
ويبدو أن هذه الصفات المتعلقة بشخصيات متخيلة انعكست على مؤديها، فبدأ الفنان القادم من خلفية يفترض أنها ثقافية يتخذ صورة الرجل النافذ، ويفضل أن ينادى بالمعلم و«أبو فلان»، ومع مراكمة المزيد من الثروة والانخراط في مشاريع استثمارية تتعلق بلوازم الدراما أو بالمعدة، خلق هؤلاء لأنفسهم وسطاً جديداً من علية القوم والرجال الأقوياء، وانتقموا من سنوات الحرمان والبهدلة. أحد النجوم والقادم من خلفية اجتماعية متواضعة، لم يعد يلعب إلا أدوار الملوك والقادة أو الشخصيات الارستقراطية، وكأنه يحاول أن ينسى نشأته وكأنها عار، دون أن يدرك أن ما يقدمه هو مجرد أدوار وشخصيات مكتوبة على الورق، بل إنه صار يتصرف بمنطق هذه الشخصيات، فتحول إلى منظر سياسي مفرغاً ما في جعبته من كليشيهات قديمة بعد أن توقف عن القراءة مع إدراكه المجد والشهرة. نجم آخر منحه دور شعبي شهرة هائلة، وتزامن ذلك مع نجاح أدوار أخرى له، إلا أنه لعن هذا العمل الشعبي بعد أن استبعد منه، لكنه لم يخرج منه تماماً، فأوجد له بديلاً أكثر عصرية، وكان على المستوى الشخصي يأخذ هيئة ديك أو طاووس، مؤخراً دعي للمشاركة في ندوة وأمام إلحاح المنظمين المتتالي والمستمر عليه لتأكيد مشاركته، علّق غاضباً أنه لن يشارك في حفل جوائز الأوسكار على أي حال! وحين حضر إلى المكان ورغم أن ابتسامته كانت إلى أذنيه، إلا أن القائمين على الندوة طلبوا من صاحب سيارة بمواصفات معينة أن ينقل سيارته ليتمكن النجم الكريم من ركن سيارته مكانها، أما صاحب السيارة فبإمكانه أن يذهب بها إلى مكب النفايات. ممثل أدوار ثانية ورابعة تحول إلى نجم بين عشية وضحاها، خاصة أنه عاش طباع شخصية لعبها، فصار القبضاي في الحياة والفن، وفتح شركة إنتاج ومطعماً، أسوة بزميلين له أحدهما لم يكن يجيد إلا البكاء بلا سبب، وصار بطل أعمال من إنتاجه، والآخر يواصل ممارسته لتجارة العقارات في الخليج، متصدراً أعمالاً بدوية حتى نسينا أنه ممثل سوري.
ويبقى موضوع الحوريات اللواتي تحولن إلى منتجات بحاجة إلى معالجة مستقلة، إلا أن بعض نجومنا الأحباء ينسون أنهم شخصيات عامة يجب أن تكون قدوة، وأن كَنز الذهب وإن كان شأناً يخصهم، إلا أن مشاهدة أعمال رديئة أمر يخصنا، ومتابعة تمثيل صادر عن عقد شخصية أمر لسنا مسؤولين عنه، وإن كان من شيء يضمن الخلود، فهو ليس التحنيط في قبور مذهبة، بل قدر من الصدق والتواضع واحترام ذكائنا.