كيف اجتاح «الاجتياح» الفضائيات التي غضت الطرف عنه
من أكثر الأشياء إيلاما إهمال الإبداع في عالمنا العربي، والتغاضي عن المواهب حتى يكتشفها الآخرون (الغرب) ويكرموها. وما يكاد ذلك يحصل حتى تنهال الالتفاتات والثناء، لا بل والاعتزاز بكون المبدع صاحب الموهبة شخصاً عربياً.
هذا ما حدث مؤخرا مع مسلسل «الاجتياح» العمل الدرامي العربي المتفرد بامتياز شكلاً ومضموناً، فالنص للكاتب رياض سيف وكاميرا المخرج التونسي شوقي الماجري بتمازجهما الخلاق، مع نخبة من نجوم التمثيل في سورية والأردن وفلسطين، استطاعت أن تقدم للمشاهد مسلسلاً رفيع المستوى، يحاكي درامياً فصلاً شديد التعقيد والغموض من تاريخ القضية الفلسطينية.
العمل الذي سلط الضوء على خفايا وأسرار الحكايات الإنسانية التي عاشها الفلسطينيون خلال مرحلة ما سمي بعملية «السور الواقي» وما رافقها من اجتياح لمدينة رام الله وحصار لمقر الرئيس الفلسطيني، مروراً بمأثرة القرن العشرين الخالدة: ملحمة مخيم جنين، المخيم الذي سطع بصموده الأسطوري، بأسلحة مقاتليه البسيطة التي وقفت تسعة أيام بلياليها في وجه البربرية الإسرائيلية. مع تسليط الضوء على أعظم صور التلاحم الديني التي تجسدت خلال حصار كنيسة المهد.
«الاجتياح» منذ انتهاء العمليات الفنية فيه وهو يعاني شدة الإهمال والرفض المطلق له كما أشار منتج العمل طلال عواملة، فقد رفضت عرضه أكثر من قناة تلفزيونية، لتتفرد بتسليط الضوء عليه وعرضه قناة LBC اللبنانية، وهذا يسجل لها رغم التحفظ على خط القناة وسياستها. ثم جاء قرار الجهة المنتجة المشاركة به في مسابقة مهرجان الإعلام العربي في القاهرة 2007 عله ينال حقه قليلاً، ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا.. فلم يحظ «الاجتياح» بأية جائزة من جوائز المهرجان ولم يلفت انتباه أحد من النقاد، بل إنه لم يتلق تنويها واحدا حتى، إلى أن تحين اللحظة التي يفوز فيها بأكبر جائزة عالمية هي جائزة «ايمي» والتي تشكل المعادل التلفزيوني لجائزة الأوسكار، متخطيا بذلك أكثر من 500 عمل تلفزيوني من جميع أنحاء العالم. من هذه اللحظة ستبدأ أشهر المحطات التلفزيونية الفضائية والمحلية بعرضه، وإعادته لمرات متتالية، وبالتزامن نفسه أحياناً. ولتنهال عليه كل أوجه الثناء الفني والسياسي، ويشير إليه النقاد بعين الرضا الفنية، وبالكثير من الاعتزاز المطلق بكونه عملا عربيا وصل درجة العالمية حتى بلغ الأمر حد التنافس القطري على تبعية العمل هل هو أردني أو سوري أو فلسطيني.
مسلسل «الاجتياح» بالأصل هو عمل درامي ممتاز بكل المقاييس الفنية من حيث السيناريو والإخراج والتمثيل، وبدرجات عالية تصل حد التماهي بين الممثلين والأبطال الحقيقيين. وهو ما ظهر من خلال تجسيد الفنان القدير عباس النوري (اختير مؤخرا كأفضل ممثل عربي لعام 2009) لشخصية أبو جندل (الشهيد يوسف ريحان).
هو عمل جبار نجح برصد الكثير من دقائق الأمور الحياتية، وأبدع في إظهار الجانب الإنساني الخفي عند الفلسطينيين وخصوصا الفدائيين منهم. ولكن يبقى السؤال الأهم إلى متى سنبقى ننتظر الآخرين ليكرموا مبدعينا ويسلطوا الأضواء عليهم حتى نعترف بوجودهم وقدراتهم؟
لقد لاقى المسلسل التكريم الذي يستحقه عالميا، ومن أعلى المستويات الفنية ولم يعد بحاجة لتكريم أو ثناء من أحد، ولكن هل وصلت الهشاشة الفكرية بنا حد عدم وجود عناصر أو أطر صالحة لتميز المواهب والحكم عليها... هو سؤال مفتوح نتركه برسم النخب الثقافية؟