كاظم خليل ... تجربة لا تنتهي
التقيت بالفنان التشكيلي كاظم خليل مطلع العام 1990. حينها تواعدنا كي نلتقي في مدينته اللاذقية إذ كنت طالبا في جامعتها آنذاك، أما آخر لقاءاتي به فكان في مدينة العين الإماراتية في نهاية العام 2000 .
ما دعاني للكتابة عن تجربته هو تناقل الصحف السورية ووكالات الأنباء خبر إقامة معرض خاص لعدد من التشكيليين السوريين المقيمين في فرنسا وكان كاظم بينهم.. كان مرسمه في حي الحمّام إلى الشرق من اللاذقية محطة للوافدين من كل بقاع سورية، أذكر أني تعرفت في ذاك المرسم (الذي هو غرفة معيشته أيضا) على عدد كبير من الشعراء والفنانين من أمثال: صالح دياب، ممدوح لايقة، علي حميشة، محمد دريوس، ماهر علاء الدين. لذكاء كاظم ولإحساسه العالي بالغ الأثر باجتراحه الكثير من تقانات التشكيل فكاظم لم يكمل دراسته للهندسة رغبة منه بإمساك الفن من تلابيبه، جدران مرسمه كانت أثمن أوراق الخربشة والكتابة لنا جميعاً فما زلت أذكر مقاطع من تلك التي كتبناها على جدران مرسمه. هذا الفنان نادر التكرار فهو يحمل من الحرية أكثر مما يحمله وطن برمته ،وفي تلافيف دماغه كرمٌ ودماثة خلق وابتكار للمعاصي (بالمعنى الجمالي للمعصية) أكثر من كل الشعراء الغاوين. فقد ألبس فنه روحاً وابتكاراً لتجاوز ضيق الحال الذي كان يمر به و بأبسط المواد الموجودة في مطبخه، كنت أعرف أنه الفنان الوحيد الذي لا يستخدم الفرشاة في عمله أما فرشاته فكانت عقب سيجارة محلية، أو نصل سكين الزبدة!! في الإمارات كان مشاركا فعالا في معارضها حتى أنه أقام معرضا في الشارقة قبل سفره إلى فرنسا بوقت قليل. وبكرمه المعهود أهداني لوحتين مرسومتين بفنية مبتكرة: تفل القهوة كحبر، أو لون وحيد على أوراق خاصة كأنها أوراق أكياس الأسمنت معاملة مرتين بنوع خاص من زيت البارافين ومثبتات الشَعر بعد رسمها بعقب السيجارة، وهي الطريقة المسجلة باسمه في معرضه الأخير في فرنسا.. وألمح لي حينها أن لوحاته المنشورة في مجلة «الناقد» واللوحتين اللتين أصبحتا في حوزتي أن لا مانع من استخدامها في مجموعتي الشعرية التي كنت بصدد نشرها آنذاك وهو ما حصل فعلا.. فكانت لوحة الغلاف لمجموعتي الأولى إحدى اللوحتين اللتين أهدانيهما... كاظم خليل ابن هذه الأرض التي ربما عزّ عليها فهم تطلعاته فأراد التحليق في الفضاء نكاية بسوء الفهم هذا... قال لي مرة منتقدا قانون الكفيل المعمول به في دول الخليج العربي لتنظيم العمالة الوافدة.. هذه البلاد مع هذا القانون تحولت لمستنقع قذر، ونحن الوافدين علب بلاستيك طافية على سطحه فنحن ملوثون بالضرورة وإن كانت رؤوسنا في السماء!!!
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.