الأغنية السورية تحيا على أوكسجين الدراما
في خضم الحديث المستمر عن النهضة الدرامية التي تعيشها سورية بات هناك من يتحدث كثيراً جداً عن أغاني شارات المسلسلات التلفزيونية بوصفها مساحةً جديدةً لارتقاء الغناء، خاصةً وأن مشروع الأغنية السورية متعثر لأسباب ذاتية إبداعية تتعلق بشحّ في النصوص والألحان، وأسباب موضوعية، مالية بالدرجة الأولى، حيث يكاد يغيب الإنتاج الغنائي السوري غياباً تاماً، في حين تطغى سطوة الرأسمالية الخطيرة كما في حال مجموعة «روتانا» التي تصر على تقديم شكل معين من الغناء على أنه الغناء. لكن المستغرب حقاً هو أن هذا الحديث عن أغاني الشارات يأتي ليؤكد أنها المجال الغنائي الوحيد في البلد، حتى أن الفكرة لاقت رواجاً حتى في الأوساط الثقافية والفنية.
تطورت الشارة في المسلسل السوري تطوراً كبيراً من حيث تصميمها وأغنيتها، وصارت مكوناً من مكونات العمل الدرامي، وصارت فرصة للشباب يتبادلونها على موبايلاتهم..
يمكننا القول إن هذا المجال، أو الحيز، هو الأوفر حظاً وحسب، لأن هناك تجارب غنائية وموسيقية تخوض صراعاً ضارياً لإثبات وجودها، ويستطيع المتابع الحاذق أن يضرب على ذلك أمثلة عديدة لفنانين شباب، وفرق فنية كثيرة تحاول ما استطاعت إلى المحاولة سبيلاً، ما يعني، بالضرورة، أن أغاني المسلسلات ليست الوحيدة ولا الأفضل!
ولو جئنا نفحص الحالة المذكورة نجد أن شعبية أغاني الدراما التلفزيونية تنبع من كونها تولد محمولة على كفوف راحات الصورة، تماماً كما هي شعبية أغاني الفيديو كليب، على أن الفارق الذي يجب ألا يغيب عن البال هو أن تميز الأولى يتأتى من المضامين النوعية التي تفرضها الحالة الدرامية لتواكب القصة ومناخاتها، من هنا تقصد هذه الأغاني هدفاً محدداً لدى المتلقي هو التأكيد على الفكرة العامة للمسلسل، أو على أحد أبرز جوانبه، في حين أن أغاني الفيديو كليب منذورة للتشابه شكلاً ومضموناً، لأن المطلوب هو إثارة المشاهد وشده بكافة السبل الممكنة.
هكذا ستكون الأغاني الدرامية، أو أغاني المسلسلات، الأكثر جودة لأنها تطرح ما لا تطرحه الأغنية السائدة من مواضيع تلامس قضايا العيش: «يا حيف يا حيف.. المال صاير سيف» (مسلسل خلف القضبان)، أو: راحت على الدرويش.. يللي ما بيعرف يعيش» (مسلسل بكرا أحلى)، أو أسئلة الحياة: «هي الحياة كل شيء فيها ممكن.. ولا شيء فيها يمكن أن يكون» (مسلسل وشاء الهوى).
لا يمكن نكران التاريخ الطويل الذي سمح بكثير من التجريب في هذا المجال، حتى باتت هناك تجارب شديدة الخصوصية كتجربة الموسيقي طاهر مامللي التي اختمرت في هذه البوتقة حتى استطاعت أن تكتسب ملامحها الخاصة. وفي الوقت نفسه هناك أغانٍ ظلت علامات فارقة: «هجرة القلوب» و«نهاية رجل شجاع» و«بقعة ضوء»...
ما يهم قوله إن المال المبذول على هذه الأغاني جعلها تتطور كماً ونوعاً، فالحصة الإنتاجية لأغنية الشارة لا يمكن تجاوزها من ميزانية عمل درامي ما، وأحياناً كثيرة صارت أغنية الشارة مجالاً لتسويق العمل باسم مغنيها كما حدث في مسلسل «زهرة النرجس» الذي غنت شارته ميادة الحناوي، أو «الشام العدية» التي غناها عاصي الحلاني.. إضافة إلى ارتباط مطربين عديدين بأغاني شارات كديمة أورشو ورشا رزق... حتى باتت هناك أغنية سورية تنمو على هامش الدراما لأنها لم تجد فضاءها الخاص لتنمو مفردةً.
بين كل ذلك ظل المخذول هو مشروع الأغنية، فهل ستصبح الأغنية ملحقة بالمسلسل؟ وهل لم يعد من الضروري أن تعود إلى سابق عهدها وتستقل؟