«أمريكـا» من وجهة نظر شيرين دباس
عاماً بعد عام تتعدد الموضوعات التي تطرحها السينما الفلسطينية الحديثة، والتي تأخذ مكاناً لها في المحافل السينمائية العالمية.
«أمريكا» الفيلم الذي يحمل توقيع المخرجة الفلسطينية شيرين دباس يبدو مختلفاً بعض الشيء من حيث الطرح والموضوع والتكنيك عن السينما الفلسطينية التي سادت في السنوات الأخيرة، من حيث انطلاقه من فكرة شديدة البساطة ونقاشها ببساطة ووضوح ومباشرة والاعتماد على إمكانيات الممثلين وتفاصيل الواقع المتجسد أمام الكاميرا.
هي قصة مستمدة من الواقع الداخلي في فلسطين، وتتمحور حول الهجرة التي أصبحت إحدى الخيارات المرعبة للأسرة الفلسطينية في الداخل، فتلك الأم التي تحمل عدة شهادات، وتعمل في بنك قريب من مكان إقامتها في بيت لحم، تتعرض للحاجز الإسرائيلي يومياً، وتتكرر المأساة وتتعمق يوماً بعد يوم، الأسئلة نفسها سبق وطرحت، ولكنها تأتي هنا بإيقاعات مختلفة.
تأتي الموافقة على السفر إلى أمريكا، فتخضع الأم لرأي ابنها الصغير المتميز في مدرسته، وتسافر لتسكن في بيت أختها في أمريكا أثناء سقوط النظام العراقي، ليبدأ الصراع مع حيثيات المنفى خصوصاً وأن هذا المنفى هو أمريكا.
تقع الأم في مطب البحث عن العمل، حيث أن النقود التي حملتها من فلسطين تمت مصادرتها في المطار، إذ كانت تخبئها الأم في علبة الحلويات، فيصبح العمل أكثر اضطراراً، ورغم الشهادات التي تحملها إلا أن كونها عربية تجبر على العمل في مطعم، وتتعرض لمواجهة اختلاف تفاصيل الحياة اليومية ومشكلة التعاطي مع الآخر ورؤية الأمريكيين للعرب: إرهابيون .. انتحاريون.. إسلاميون.. على الرغم من أن الأم مسيحية، والطفل يتعرض لمعاناة شديدة مع زملائه في المدرسة، إذ يسمونه أسامة بن لادن ليبدأ الطفل بالتغير وظهور طبيعة عدوانية.
التفاصيل البسيطة في الفيلم تشكل عمود ارتكاز، بحيث يخرج من خلالها من رتابة السرد.. الكلب الذي ينبح على المسافرة في المطار على الرغم من أنها لا تحمل أية ممنوعات... التعليق على ملابس الطفل بأنها غير متناسبة مع المجتمع الأمريكي... إحساس رب الأسرة العربية في أمريكا بأنه يمول أمريكا من خلال الضرائب التي يدفعها.
فكرة العودة إلى الوطن تراود الأسرة دائماً، وخصوصاً بعد الحرب على العراق واشتداد صعوبات الحياة في المنفى، إلا أن السجن الداخلي في فلسطين أيضاً يزداد إجباراً للمنفي على البقاء في المنفى، فالبطلة تتصل بأمها في فلسطين لتسمع أخبار احتجاز أخيها عدة ساعات على الحاجز.
لا مكان للحياة إذاً.. يجب أن يحاول المنفي دائماً التأقلم ضمن المجتمع الذي يرفضه.. سيعيش مرفوضاً أينما حل.. لتكون مجرد الذكريات والموسيقا والأغاني ما يشد عزيمته على التأقلم قسراً.. هي رسائل بسيطة ومكررة إلا أن صيغة الفيلم والكوميديا في بعض المشاهد، وإبداع الممثلة في أداء تفاصيل الدور أعطى الفيلم ميزة جعلته يخوض في سياق مهرجانات عالمية مثل مهرجان «كان» ويحوز على جوائز كبيرة.