آخر أيام التنف: 1300 فلسطيني في صحراء اللا مكان
انتصر.. هذا الصباح/ ووحد الرايات والأمم الحزينة والفصول/ بكل ما أوتيت من شبق الحياة/ بطلقة الطلقات/ باللاشيء/ وحدنا بمعجزةٍ فلسطينية....
من غير المتوقع أن المخرج الكندي إيديث شامباني قرأ هذه الكلمات للراحل محمود درويش عندما همّ بتصوير منجزه السينمائي التسجيلي الهام «آخر أيام التنف»»، الذي أنتجته ممثلية مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في سورية، لكن من المؤكد أن هذا المخرج قد وجد نوعاً من الاستثنائية في التعامل مع القدر من خلال حياة 1300 لاجئ فلسطيني مدة أربع سنوات في مخيم التنف ضمن الأراضي العراقية وعلى الحدود مع سورية.
يحاول الفيلم هرباً من تكرارية الصورة وتفعيل الأسى كعنوان وحيد، أن يجد شخوصاً يمكن التعامل معهم على أساس فكري في المخيم، فلا يريد المخرج أماً تبكي فحسب، أو طفلاً يشكو الجوع، فما صوره في المخيم يمتلئ بهذه التفاصيل إنما يريد شخصاً فريداً في مجتمع لجوئي كهذا إلى أن وجد الصحفي علي الذي صادف أنه يمتلك كاميرا صغيرة وجهاز كومبيوتر في خيمته، ليصور على مدى ثلاث سنوات سيرة حياتية مميزة ومأساة شعب لم تتكرر عبر التاريخ، فربما تلك الصور تصل إلى هيئة إنسانية أو نظام سياسي يمتلك وتراً إنسانياً ما، ليستقبل عدداً من اللاجئين لا أرض في الكرة الكبيرة تستقبلهم.
لم يقدم حدثاً استثنائياً واحداً خلال أربع سنوات من حياة اللاجئين فكل ما يحدث في الإقامة الصحراوية في أرض لا يمكن تحديد الجهات فيها هو حالة عادية ورتيبة مرت على اللاجئين، إلا أنها بالمعنى الحقيقي ممعنة في استثنائيتها، فالريح هنالك كانت تجد سهولة في اقتلاع الخيام، والثلج يستسهل افتراش الأرض والبقاء لعشرات الأيام فيها، والأمطار تمعن في الفيضانات، وكل ما هو كارثي قادر على التكرار في هذه المساحة الخاوية من كل شيء إلا من 1300 فلسطيني لذا فوحدهم بمعجزةٍ فلسطينية.
إن التصور العام الذي يقاربه اتجاه الفيلم، هو معنى الحياة الطارئة التي تحكم على كل من يعيشها بتحضير حقيبة السفر إلى مكان طارئ ومؤقت آخر، وإنما له صفات أكثر مناسبة للمعيشة، كما أن الوداع المتكرر هو من صفات هذه الحياة، فمن عاش في مخيم التنف وقضى أربع سنوات من الألم مع صديقه، قد لا يجد هذا الصديق مرة أخرى، فقدرهما هو التنقل بين المنافي وليس العودة إلى الوطن، فالوطن بالمعنى العام يجمع والمنفى يفرق.
لقد خلق الفلسطينيون في التنف حركة حياتية هدفها الاستمرار في البقاء ليصل الأمر بهم إلى تشكيل لجنة إعلامية هدفها رصد الحياة في التنف، وتصديرها عبر أقراص cd إلى العالم الخارجي وهذا بالفعل ما حصل.
تشيلي، السويد، النروج، فنلندا، سويسرا، بلجيكا، إيطاليا، بريطانيا، تقاسموا 1300 من سكان مخيم التنف ليكمل الفلسطينيون رحلتهم تحت لعنة المنافي وسطوة اللجوء، وليحمل كل منهم من مخيم التنف قصة موت معلن خاصة به.