بين قوسين: الناس.. وأولو الأمر
تُرى، لو أتيح للناس العاديين في بلدنا أن يقفوا على منبر إعلامي، ويقدموا رأيهم صراحة ودون خوف أو حسابات مختلفة، بالقائمين على أمرهم، ماذا سيقولون؟
ماذا سيقول الناس عن الفقر الذي ما انفكوا يتهاوون نحو حضيضه بتسارع شديد؟ ماذا سيقولون عن البطالة التي تركت في كل بيت عاطلاً واحداً عن العمل على الأقل؟ ماذا سيقولون عن التعليم الذي بات عبئاً وحلماً وجهداً ضائعاً في الوقت ذاته؟ ماذا سيقولون عن السكن الكريم الذي خرج من دائرة أحلامهم نهائياً؟ ماذا سيقولون عن الاستشفاء المجاني المهدد بالزوال، وقد خطوا خطوات متقدمة في دفع أجوره متمنين بقاءه رغم كل ما آسوه منه وفيه؟ ماذا سيقولون عن الفساد العام الذي أرغموا منذ زمن طويل على الانخراط فيه لتسيير بعض شؤونهم اليومية؟ ماذا سيقولون عن النهب الهائل لخيرات وثروات بلدهم، الذي يحدث تحت أسماعهم وأبصارهم بصورة متفاقمة؟ ماذا سيقولون عن قصور ومزارع وثروات وممارسات المسؤولين والمتنفذين واللصوص الأنيقين وأبنائهم وأقربائهم وأزلامهم؟ ماذا سيقولون عن حقولهم المجدبة ومحاصيلهم الميتة وقراهم المهجورة؟ ماذا سيقولون عن أبنائهم المشتتين في كل بقاع الأرض طلباً للرزق وإحياءً للأحلام؟ ماذا سيقولون عن الكذب المستمر عليهم والاستخفاف بهم وبعقولهم ومشاعرهم وكراماتهم وتجاوز حقوقهم؟ ماذا سيقولون عن الرسوم والضرائب والأتاوات و«الخوّات» والفواتير؟ ماذا سيقولون عن الماء والكهرباء والمازوت والصرف الصحي والشوارع والأرصفة؟ ماذا سيقولون عن الاتصالات والنفط والعقارات الثمينة الخالية؟ ماذا سيقولون عن البلديات والكثير من المحافظين والوزراء والمدراء والنواب والقضاة والشرطة والجمارك والتجار والسماسرة والمهربين الكبار؟ ماذا سيقولون عن الغلاء المتصاعد والاحتكار والأسواق المنفلتة وفساد الرقابة وغيابها؟ ماذا سيقولون عن الدعارة والمخدرات اللتين راحتا تتغلغلان كالسرطان في مفاصل المجتمع؟ ماذا سيقولون عن دور ومستوى الصحف الرسمية وشبه الرسمية والتلفزيونات الرسمية وشبه الرسمية والإذاعات الرسمية وشبه الرسمية وجُلّ البرامج و«الكوادر»؟ ماذا سيقولون عن انكساراتهم وأوجاعهم وخيباتهم وأعمارهم المسروقة؟ ماذا سيقولون...إلخ؟؟.
لاشك أن معظم الأجوبة يمكن تخيلها.. كما يمكن لأي عاقل تخيل أنواع الشتائم التي ستسبق وتتخلل وتتذيل الآراء الواردة.. لكن ماذا عن المسؤولين وأولي الأمر؟ وماذا عن اللصوص الكبار من شتى الأنواع والصفات والألقاب؟ هل يدركون ما يمكن أن يقوله الناس عنهم، وما يمكن أن يفعلوه بهم لو أتيحت لهم الفرصة؟ هل يمكنهم أن يقدّروا ماذا فعلوا بالناس، وماذا أبقوا لهم، وإلى أي درك أوصلوهم؟ هل يعون حقاً ما فعلوه بالبلاد والعباد؟ ثم هل يتصورون أن صمت الناس حتى الآن هو مؤشر قبول بما يحدث؟ ألم يقرؤوا بعضاً من دروس التاريخ البعيد والقريب؟
اليومان المثلجان اللذان مرا مؤخراً على العاصمة وبعض المناطق والمحافظات، واللذان تعطل بهما النقل والكهرباء والاتصالات والمجارير والمؤسسات والمدارس والجامعات ودور الجهات التنفيذية كافة.. بشكل شبه كلي، رغم أن ما حدث لا يشبه إعصار كاترينا أو تسونامي المحيط الهندي على الإطلاق، أظهرا أن سورية لم يعد فيها الكثير مما يمكن نهبه، لا في الخزينة العامة، ولا في جيوب الناس، وكشفا أن هناك من يريد ظهر البلاد هشاً وركبها ضعيفة وبنيتها رخوة بالرغم من أنها في لجة الأخطار الخارجية، وأكّدّا أن المواطنين الفقراء الذين شكلوا طوابير امتدت عشرات الأمتار في محطات الوقود أملاً في تعبئة بيدون أو خمسة ليترات من المازوت لمواجهة «كرَم السماء»، ليسوا في حساب أو في خطة أحد، وأنهم متروكون لمصيرهم..
فكيف وصلت الأمور إلى هذا المستوى الكارثي؟ وإلى أين قد تصل أبعد من ذلك في ظل السياسات النيولبيرالية القائمة؟
بين الناس وناهبيهم، ثمة فصول أخرى قادمة..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.