مطبات: في شبر ماء

لم تتأخر استجابة السماء لأدعية المؤمنين وسواهم، وأعطت للقانطين ما أرادوا، وللمستغيثين أضعاف الغيث الذي حلموا به بعد أن تأخر الشتاء عن موعده، وبعد أن اشتهى البذار رائحة الأرض.

أيضاً الحكومة أعدت لخطتها الخمسية القادمة الأموال والبرامج، وهي تدرك حاجتها الماسة لورشة كبيرة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، وفي مكافحة الفقر والبطالة، وتوسيع حقول التعليم والصحة، وتأمين الانتقال الهادئ لسوق اجتماعية عادلة بعد تخليها عن السوق (الشعبوية) التي ولى عصرها... لكل هذا وسواه قالت كلمتها.

الحكومة في خطة التنمية الخمسية لها طموحات مشروعة تحتاج إلى 45 مليار دولار ستنفقها الوزارات والمؤسسات والهيئات لمواجهة التحديات الضخمة على رأي النائب الاقتصادي، وهي مرتبطة بتحدي الفقر الذي يطال ما نسبته  14% من أبناء الوطن،  وهو ما سيستنفذ حوالي 14 مليار دولار، وستوزع بقية الحصص للتنمية البشرية، والبنية التحتية.

في الوقت نفسه قاربت الخمسية العاشرة على الانتهاء، ويتساءل العارفون باقتصادنا، ووعود منظريه، والمواطنون أجمعين عن أشياء كانت بحساباتهم، أين بقية الزيادة على رواتب العاملين في ذمة الخطة الأخيرة، وأين الوعود الكثيرة التي أطلقتها الحكومة على أكثر من منبر، وفي كل مناسباتها الدورية، ومن 35% متبقية انتظر الموظفون 17%  كان من المفترض أن تكون في جداول الرواتب منذ أشهر، كذلك أرقام فرص العمل الكبيرة، والحكومة الالكترونية، والنافذة الواحدة، ومحاربة الغلاء والاحتكار..مجرد قضايا صغيرة لم تنته منها الخطة السابقة، ووضعت على جدول الخطة القادمة كبرنامج عمل مستمر.

بشتى الأحوال أراحت السماء عن كاهل الناس بعض الهم في موسم مياه مبشر، وموسم زراعي ينذر بالخير، ويقول مواطن على الأقل نشرب مياهاً نظيفة، أما ما أنجز على الأرض فعرته الأيام القليلة العاصفة، والثلوج كشفت هشاشة المنجز على صعيد بنيتنا التحتية، ومدى ما تحتمل لا سمح الله من كوارث، وامتحان لمتعهديها.

في قلب العاصمة توقفت الحياة لأكثر من نصف يوم على الأقل وفي النهار، وسار الناس إلى بيوتهم بعد أن توقفت وسائل النقل العام والخاص، وتكسرت حتى الأشجار التي تزين الأرصفة ولم تجد من يرفعها عن الطرقات حتى اليوم، وأما شوارعنا العتيدة فغرقت بالمياه، وانقطعت الكهرباء عن أحياء العاصمة فماذا سيكون حالها في الريف؟، وأما غرفة طوارئها فلم تعد ترد على هاتف نجدتها الـ 117 الذي لم يرد على استغاثات سكان الميدان الذين ناموا على العتمة 24 ساعة، وحتى طوارئ الميدان احتاجت في (نهر عائشة) إلى سيارة مواطن تقل عامليها في اليوم الثاني لإصلاح العطل الذي أصاب كهرباء حيّهم.

المواطنون كعادتهم لم يستعدوا لبشارة كبيرة، ولم يكن يتوقع أكثرهم إيماناً أن تنقلب الأمور من شمس ساطعة إلى ثلوج كثيفة، ومن كان يعتمد على الكهرباء لتدفئة بيته هرع إلى الكازيات فوجد أمامه الأرتال الطويلة تنتظر، ومن كان ينتظر الدعم الحكومي للوقود أيقن أن البرد سيطال الأجساد المرتعشة، ولكن حتى الكازيات التي كان أصحابها يشكون من الركود بسبب موسم الدفء الطويل صاروا يشكون من قلة الوقود، وبعض ضعاف النفوس استغلوا الأزمة ليبيعوا على هواهم، ويفضلوا سيارات التوزيع على (كالونات) المواطن.

في ريف دمشق كان المشكلة أكبر، الشوارع غرقت من الساعات الأولى، وفضحت المياه شبكة الصرف الصحي و(ريكارات) مشاريع البلديات التي تأكل الملايين، والكهرباء التي تقرر نقلها إلى الأرض كانت أسوأ مما كانت عليه عندما كانت معلقة على الأعمدة، وبحيرات المياه العميقة أغرقت السيارات في قدسيا، ويعفور، وجديدة عرطوز.

بالمحصلة على أبواب الخطة الخمسية القادمة وفي ظل الآلية التي لم تتغير في التعاطي مع مشاريعنا الكبرى، وأحلامنا الصغيرة..كل (منخفض) وأنتم بخير.