بين قوسين: عام العار
انتهى هذا العام بفضيحة مدوّية عنوانها «ويكيليكس»!
سواء أكان تهريب الوثائق السرية لمعظم الأنظمة في العالم مقصوداً، أم كانت صحوة ضمير من صاحب موقع متحمس لإعلان الحقيقة، فإن ما نُشر في الصحافة العالمية يقع تحت بند «العار».
فضائح بالجملة تطال أنظمة وشخصيات ومؤسسات. لا مكان للأسرار في ظل ثورة الميديا الجديدة.
شهرزاد لم تسكت عن الكلام المباح، في مليون وثيقة ووثيقة جديدة، تتسلل إلى الأدراج السرية، وتسفح الحبر في كل الاتجاهات، وإذا بالإمبراطور عارياً، من دون أن تستره ورقة توت. بلاد تباع في أروقة السفارات، والشقيق يحرّض على شقيقه، والزعيم يتحوّل إلى مخبر صغير. كابوس طويل هزّ أركان العالم، ذلك أن السحر انقلب على الساحر، فثورة الإنترنت فضحت صنّاعها في حرب مدمّرة. كانت أجهزة المخابرات العالمية تحتفظ بوثائقها، مدة نصف قرن ، قبل أن تفرج عن محتوياتها، أما موقع «ويكليكس» فليس لديه الصبر الكافي، كي ينتظر طويلاً، فهاهو يعمل بصيغة البث المباشر محطماً السريّة. سنتذكر على نحوٍ ما مشهداً من فيلم «الكيت كات» لداوود عبد السيد، حين فضح «الشيخ حسني» أسرار الحارة بأكملها عبر ميكرفون، نسي أصحابه إغلاقه.. موقع «ويكيليكس» صورة أخرى للفضيحة العلنية عن كيفية طبخ الحروب والخيانات والمؤمرات في الغرف المغلقة، لعلها حرب عالمية ثالثة، تدار هذه المرة تكنولوجياً، لتهزّ عروشاً وإمبراطوريات، وربما كانت هذه الحرب بداية انهيار الإمبراطورية الأمريكية، فهوليوود ستبقى مجرد صناعة للحلم الأمريكي، لكن مجريات الواقع في مكانٍ آخر.
هكذا انطوى عام من الحروب والكوارث والفضائح بدمغة لا تمحى على جبين البشرية الذاهبة إلى حتفها في وضح النهار.
عام من الخسائر الإضافية في القيم الروحية لمصلحة التسليع العمومي: تسليع البشر والبلدان والأحلام والأوكسجين.
عام «ويكيليكس» بعد عام أنفلونزا الطيور، وعام جنون البقر، وعام أنفلونزا الخنازير.. إنه عام أنفلونزا الفضيحة، وانهيار التاريخ.
التاريخ الذي تصنعه القبائل المتحاربة بالخناجر والسيوف والصواريخ العابرة للقارات.
عام تتساوى فيه العمامة والقبعة والعقال.
ولكن كيف نخرج من هذا المستنقع؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.