شــارع.. وبشــر
عدد كبير من المارين عليه كل يوم.. خطا كثيرة، واسعة وضيقة، وآمال تشبه الخطا، واسعةً وضيقة.. لا فرق لديه.. يحملهم جميعاً..
عجلات كثيرة لمركبات تعبر مسرعة، وبطيئة، المركبة هي المركبة بالنسبة له، لا فرق لديه.. وليس بصدد التحيّز.. هو ليس مثلنا يستطيع الحقد، أو يستطيع تمييز السيارات من أسمائها وموديلاتها.. أو ربما لا رغبة له بذلك ولا يهمه أصلاً.. نحن الراجلين نميز بينها حتى من رائحة العوادم وشخير المحرك، وسرعان ما نكتشف ونحن مغمضون أعيننا أننا إما أمام سيارة خاصة مرفهة تستعمل البنزين الجيد، أو أمام تكسي عمومي أو سوزوكي عتيقة تستعمل البنزين العادي.. نكتشف لئلا يخنقنا الدخان الكثيف على حين غرة. قد نشم أحياناً، قبل الشرطة يقيناً، بعضها الذي يستعمل الغاز كوقود، متأكدين أن صاحب المركبة الغازية مغامر «درويش» و«على باب الله» يهجس قلقاً بشكل دائم، خوفاً من احتمال حدوث الأسوأ..
الشارع لا علاقة له بحساباتنا.. ولكنه يئن.. أنا أشعر بذلك!
أفتح الباب، أي باب، أترجل.. أسير، فأسمع الشكوى تنهمر من كل حدب وصوب بحجة الحر، أو البرد... أو الفقر.. أو أي شيء! بينما الشارع المعطر دائماً برائحة الديزل الشهيرة وعفونة الأسرة النهرية الجافة والريغارات المسطومة، لا يتذمر من كثرة جرذان المدينة، ولا يتأفف لأن أحداً لا يحترم تسريحته الصباحية التي صممها له عمال تنظيفات الليل، ولا يكتئب حين يبدأ الجميع برميه بأعقاب السجائر وبقايا الفطور السريع «البسكويت».. ولا يعنيه غلاء المازوت، وبالتالي غلاء كل السلع لأنها مرتبطة به، وكل الناس تمشي بارتفاع سعره أو هبوطه، وتتوتر وتهدأ بحسب بورصته العجيبة، ربما لأنه يدرك ونحن لا نعلم، أن الذي يرمي أعقاب السجائر على إسفلته قلق على مستقبل معيشته وآخر همه نظافة ما يدوس عليه، وأن من يرمي المحارم والنايلون وعلب الكولا الفارغة، قد أعمى آخرون له قلبه فلم يعد قادراً على رؤية مكان ودور وغاية سلة المهملات.
الشارع خزان الأقاصيص اليومية، والهموم، والقاذورات، والقهر المتفاقم، والتواطؤ السري، والشتائم الهامسة، والخوف.. لكنه حتى الآن لا يتذمر من شيء..
ملاحظة: لن يتبع في أية حلقة.