مرسيل خليفة يكتب بمناسبة إقامة حفلاته
نلتقي في حفلتي دمشق 6 و7 آب لنبوح بإيمان حار بالإنسان والفن والجمال في زمنٍ آسن يسيجه طاغوت المال وشراهة التسليع لكل القيم الرمزية. نعود إلى دمشق لنكتشف عيار نسبة السلامة في الذائقة الجمالية للجمهور أمام طوفان التفاهة المصنوعة في فضائيات الابتذال.
نريد من هذا العرس في الشام أن نعيد الإيمان بأن الإنساني في الناس لا يُسحق تحت أقدام الترويض البذيء، وأن الجميل يخرج دائماً من رماد الحرائق الثقافية المدبّرة؛ لنستعيد بعض الثقة وخاصة بجمهور الشباب الذي خرج إلى الدنيا في عصر الانحطاط الثقافي ولنؤكد أن حبل العدوان على الأنفس والأذواق قصير وأن الزبد يذهب هباءً ولا يبقى في الأرض إلاّ ما ينفع الناس.
من خلال هذه الأمسيات نلتقي الجمهور على وجبة تواصل مباشر ومشترك؛ نتفقد فيه ما تبقى لديه من المعنى الإنساني المسروق والمصادر؛ نخاطب العميق فيه دون أن نتنازل عن الألق الجميل أو الدفاع عن المعنى النبيل بسلاح الحب؛ نداعب الحناجر والآلات الموسيقية للوطن؛ لينهض معنىً آخر مختلف في النفوس لامرأة في أغنية؛ ليرتفع ميزان معناها الإنساني في القصيدة والحياة؛ لنهز هيكل الانحطاط المحروس بالمال والإعلام؛ نص موسيقي غنائي حار مهجوس بالبحث عن بداية متجددة؛ مزيج من آيات الفرح العظيم والحزن النبيل؛ من توترات الدعة والقلق؛ التسامح والغضب؛ الحب والثورة؛ في رحاب هذه الجغرافيا الفسيحة والدلالات الجدلية المتوترة؛ تشتغل الكتابة الموسيقية اشتغالا علمياً صارماً؛ واشتغالاً فنياً طليقاً؛ كي تُخرج الإيحاء أصواتاً متنوعة؛ فتذهب الموسيقى على تضاريس المعنى صعوداً وهبوطاً؛ هدأة وصخباً وتحت وطأة الألحان تقول النص الشعري بحرية وتعيد تأثيث فضاء إيحاءاته بعد أن تعيد خلقه.
نستأنف في قلعة دمشق مساراً لم نقطعه تحت أي ظرف؛ ومشروعاً ثقافياً لم نساوم عليه في زمن الصمت والانهيارات في رحيل شاق وجميل نحو البحث عن ضفاف أخرى ومفردات أخرى للتعبير النظيف عن العالم؛ ارتماء طفولي في حضن الذاكرة؛ احتجاج واضح على فساد أشياء العالم؛ غضب عاصف على آثام الحرب وتورط صاخب في الحب؛ قصائد مختارة من عيون الشعر العربي: الحلاّج وأدونيس ومحمود درويش وطلال حيدر، بمرافقة فرقة الميادين المؤلفة من 25 فناناً مؤدياً وعازفاً من لبنان وسورية ومكدونيا وفرنسا والنمسا؛ لنغمد الفرح في الناس ونرفع عن صدورهم كربة الحبوط اليومي الثقيل؛ نأخذهم إلى حيث لا تنهار المسافات بين الآتي والبعيد؛ السطحي والعميق؛ بين وجدان ينوء تحت وطأة هزائم تطل على الأنفس بالتقسيط وبين إرادة قدّت من صخرة الأمل الذاهب في مغامرة الوقوف على قدمين راسختين أمام المشهد المنهار؛ فرح يقارع الحزن وأمل يؤجل يأساً؛ وأفق يفتح مجهولاً؛ وهمس يشيع صمتاً.
بيروت 26 تموز 2010