خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين سباق المسافات الطويلة

عتقدتُ لوهلة، بأنني صاحب معمل للبوظة، ذلك أن كل تقديراتي في تفسير فاتورة الكهرباء الضخمة ذهبت أدراج الرياح، إلى أن شرح لي أحد الخبراء بأن حساب الفاتورة بات تصاعدياً. لم أقتنع، لكنني دفعت الفاتورة مرغماً تحت تهديد «سحب العداد».

وحين دققت بالتفاصيل وجدت أن ضرائب موازية عليّ أن أدفعها لكل دوائر الدولة تقريباً. عدا النظافة، هناك ضريبة للإدارة المحلية، وضريبة جيش، وضريبة مدارس، وطوابع، وبلدية. بالطبع فإن من أضاف هذه الضرائب على فاتورة الكهرباء بالتحديد، يتمتع بذكاء شديد للقبض على المواطن متلبساً، وإلا فسوف يعيش في العتمة.

في الواقع فإن حياتنا السعيدة برمتها، حوّلت المواطن إلى دريئة تتناهبها سهام الضرائب والفواتير من كل حدب وصوب، وكأن مهمتنا هي العمل المضني ثم تبديد الجهد في الدفع.

ولكن ماذا نقبض؟

صراحة نحن ندفع فقط.

تضع دخلك «الوفير» على الطاولة، ثم ترسم خريطة بأنفاق ومتاهات لتصل سالماً إلى الجهة الأخرى من الشهر. تنظر إلى وجهك في المرآة، فتجد كائناً آخر لا تعرفه، لفرط المعارك التي خاضها ببسالة لعبور  ثلاثين يوماً من الجحيم والاكتئاب.

اقرأ باهتمام تصريحات رسمية على مدار سنتين عن «تحسين مستوى معيشة المواطن»، لكن الراتب نفسه، لم تشمله زيادة منذ سنوات، فكيف يتحسن الدخل، إلا إذا كان المقصود «كاميرا خفية» بإخراج ركيك، للترويح عن النفوس المتعبة؟

تقبض راتبك بالليرة السورية، وتدفع ثمن السلعة بمشيئة الدولار. لعبة مسليّة أخرى نعيشها يومياً، دون أن نفهم جيداً، كيف تنزلق العملة إلى بئر الغلاء، ذلك أن الدلو بحبال مقطوعة!

يكاد المواطن أن يقول وهو عائد من معاركه اليومية الشرسة «لم يبق موضع في جسمي لطعنة».

أستعير من الروائي الراحل عبد الرحمن منيف عنوان رواية له، هي «سباق المسافات الطويلة»، سباق نخسر فيه جميعاً بسبب علل عصية على العلاج.

ثم اجتمعت الحكومة، وناقشت السبل لتحسين المستوى المعيشي للمواطن. سنستمع إلى هذه الأسطوانة إلى أن نشعر بالضجر: وناقشت، وناقشت، وناقشت، فسقط المواطن من الإعياء، و...الطرب.8 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.