ربمــا..! إدواردو غاليانو.. الآن وهنا
يأتي إدواردو غاليانو في زيارةٍ جديدةٍ، عبر كتابٍ طازجٍ ترجمه صالح علماني وأصدرته، باكورةً وإعلان ولادةٍ، دار «رفوف».
«أبتاه.. ارسم لي العالم على جسدي» بهذه العبارة المأخوذة من أغنيةٍ قديمةٍ لسكّان أمريكا الجنوبيّة الأصليين يفتتح صاحب «كرة القدم في الشمس والظل» كتابه الجديد المعنون بـ«مرايا» الذي يأخذنا، عبر رحلة سردية ساحرة، في مرايا الأزمنة والأمكنة، ليكون لنا أن نرى بالعين المجردة العالم موشوماً على الجسد.
لا يحيد غاليانو عن أسلوبه المعروف، فعبر ما يقارب الـ(600) حكاية يجمع حشرجات المظلومين، وآلام المتمردين، وصرخات ضحايا العبودية والنهب والاستغلال.. يجمعها كمن يلظم حبات مسبحة في خيط واحدٍ هو التاريخ السري للعذابات التي تشكّل السيرة الحقيقية لهذا العالم.
برنامج غاليانو السردي هو ذاته، كما كرّسه عبر أعماله التي نقلت إلى العربيّة وقوبلت بحفاوة كبيرة كـ«ذاكرة النار» و«الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» و«كلمات متجولة» و«أفواه الزمن».. نعم، هو البرنامج القائم على التجوّال بين الثّقافات والأساطير والحكايات التي يلتقطها بروح قناص لرسم كاريكاتور سياسي، أو تعرية انتهاكات رأس المال، أو القبض على لحظة مفعمة بالإنسانية.. غير أن الجديد في الـ «مرايا» هو الانفتاح على تاريخ العالم تحلل، من سفر التكوين حتى الثورة التكنولوجية، مرتباً حوادث التاريخ المنسي حسب أبجدية القهر.
المقطع الأول هو المفتاح: «المرايا ممتلئة بالناس. اللامرئيون يروننا. المنسيون يتذكرونا. عندما نرى أنفسنا نراهم. عندما نرى أنفسنا. هل يروننا؟».. هذا السؤال بالذات هو أساس كلّ حفريات غاليانو في تاريخ عذاب الأرض وأهلها.
يأتي هذا الكتاب إلى العربية في لحظة تحول كبرى تعيشها أرض هذه اللغة.. يأتي وكأنه كتب ليقرأ الآن وهنا، لنرى أنفسنا في هذه المرايا...
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.