رائد وحش رائد وحش

ربمــا..! كن بلسماً أيّها الشعر..

نسينا واحداً من بين كثيرٍ ممّا نسيناه، نسينا إيليا أبو ماضي، صاحب واحدة من أبرز وأنصع التّجارب الشّعرية العربيّة في العصر الحديث، تجربة تميّزت بجعل الشعر بياناً يحمل فلسفة الحب والتفاؤل، وبربطها للثّقافة والفنّ بالأفكار النبيلة.

هل تذكرون: «كن بلسماً» أو «المساء»؟؟ أيام كانت الدراسة دراسةً؟؟ لا أقول هذا من باب الحسرة على الماضي بمقدار ما هي نقمة ومرارة على ما فعلوه بالمناهج من جهة، وبفكرة الثقافة والتذوق الأدبيين من جهة ثانية.!!

وهل تذكرون «الطّلاسم» بصوت عبد الحليم حافظ، قصيدة أسئلة الحياة الكبرى، وحيرة الإنسان الكبرى التي عبّر عن حُماها الضاغطة بتبنيه مذهب «اللا أدريات»: «جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت»، «هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟»، «أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغير؟»، «ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرّحيل؟».. ورغم كل الحيرة كان إيمانه الأرسخ والأقوى هو خلود الإنسان.

في اليوم العالمي للشعر نستعيد قصيدته المأثرة «كن بلسماً» التي يمكن اعتبارها مانفيستو الحب والشعر، فهي تعبر جوهرياً عن المعنى الإنساني لفن الشعر:

 كن بلسماً إن صار دهرك أرقما                         

وحلاوةً إن صار غيرك علقما 

إنَّ الحياةَ حبتكَ كلَّ كنوزها           

لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما..

أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا

أيَّ الجزاءِ الغيثُ يبغي إن همى؟ 

إنها صلاة شعرية تغني البذل والعطاء دون انتظار مقابل، ودعوة إنسانيّة للتعلّم من أمنا الطبيعة فنون الإقبال على الخير والعطاء لأنهما متعة بذاتهما.. وإشراق فكريٌّ وروحيٌّ يرى سعادة الإنسان كامنةٌ في شعوره بالحب والخير للآخرين، أولاً وأخيراً.. كيف لا تكون القصيدة كذلك وصاحبها من كبار الدعاة إلى الأمل والتفاؤل؟؟

مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً؟           

أو من يثيبُ البلبل المترنما؟ 

يا صاحِ خُذ علم المحبة عنهما       

إني وجدتُ الحبَّ علماً قيما 

فاعمل لإسعاد السّوى وهنائهم

إن شئتَ تسعدُ في الحياة وتنعما

لماذا إيليا أبو ماضي؟؟

لأن لحظات الإعتام تستدعي صوتاً نظيفاً يجلو عن أبصارنا الغَبش، ويجعل من قلوبنا بوصلةً في المضي قدماً نحو جمال الحياة الذي يعني الحرية والكرامة والعدالة.. الخير والمحبة والسعادة.. مع مثل هذا القصيد، وهذا الشاعر، يزداد إيماننا بالحياة، فنحن الحياة..