راشيل كوري في الذكرى العاشرة لاغتيالها «قل لي من تعادي... أقل لك من أنت»

تم رثاء ريتشل والاحتفاء بها كما تمت شيطنتها؛ لكن كلماتها ومشاهداتها تتحدث عن نفسها، وفيما يلي مقتطفات من رسائلها الإلكترونية التي كتبتها أثناء إقامتها في بيوت ناس غرباء أصبحوا أصدقاءها وعائلتها في رفح.

وفي 7 شباط2003، كتبت ريتشل:

«لم يكن بمقدور أي نوع من القراءة، أو حضور المؤتمرات، أو مشاهدة الأفلام الوثائقية، أو الأخبار التي يتناقلها الناس، أن تحضرَني لواقع الوضع هنا. لا يمكنك أن تتخيله حتى تراه بأم عينك – وحتى عندما تراه فإنك تدرك على الدوام أن تجربتك معه ليست هي الواقع على الإطلاق... لم يتعرض أحد من أفراد عائلتي، وهو يقود سيارته، إلى صاروخ يُطلق من برج يتموضع في نهاية طريق رئيسي في مدينتي... وعندما أتوجه إلى الجامعة أو إلى العمل أكون واثقة، إلى درجة ما، أنه لن يكون هناك جندي مسلح بانتظاري... على حاجز تفتيش يمتلك السلطة المطلقة ليقررَ إن كان بمقدوري متابعة سيري، أو إن كان بمقدوري أن أعودَ إلى بيتي مع نهاية النهار... أنا هنا في رفح: مدينة يقطنها حوالي 140،000 إنسان، حوالي 60% منهم لاجئون – والعديد منهم نزحوا مرتين أو ثلاث مرات. هناك قلق كبير هنا من احتمال «إعادة احتلال غزة». يتم احتلال غزة كل يوم بدرجات مختلفة لكن أعتقد أن الخوف نابع من إمكانية دخول الدبابات إلى كافة الشوارع وبقائها هنا بدلاً من دخولها إلى بعض الشوارع وانسحابها بعد ساعات أو أيام للمراقبة وإطلاق النار من أطراف الأحياء. إن لم يكن الناس يفكرون بعواقب هذه الحرب على شعوب المنطقة بأسرها، آمل أن يبدؤوا في التفكير الآن...

في الوقت الحاضر يشيد الجيش الإسرائيلي جداراً ارتفاعه 14 متراً بين رفح في فلسطين والحدود، حيث يخلق منطقة عازلة بتدمير المنازل الواقعة على الحدود. فقد تم جَرف 602 منزل بشكل كامل تبعاً ﻠ «لجنة رفح الشعبية للمهجرين».

وحسب علمي، تقع جميع المناطق تقريباً تحت أنظار الأبراج العسكرية. وبالتأكيد ليس هناك أي مكان خارج مجال حوامات الأباتشي أو كاميرات الطائرات الآلية الخفية التي نسمع أزيزها فوق المدينة لساعات وساعات.

... تبعاً لمديرية المياه في البلدية، كانت الآبار التي تم تدميرها الأسبوع الماضي تؤمن نصف المياه التي تحتاجها رفح. وبعد الساعة العاشرة ليلاً من الصعب التحرك في المكان لأن الجيش الإسرائيلي يعامل أي شخص يرونه في الشوارع كعضو في المقاومة ويطلقون عليه النار. ومن الواضح أن عددنا قليل جداً.

يريد الكثير من الناس إيصالَ أصواتهم...وقد بدأت أدرك للتو، عبر هذه التجارب القاسية، قدرة الناس على التنظيم مهما كانت الظروف، والمقاومة مهما كانت الظروف.

الناس هنا يشاهدون التلفزيون، وقد قالوا لي: «إننا نتعلم من التجارب العالمية كيف نقاوم.»

 

27 شباط/فبراير 2003:

«أشعر بالألم، مرة أخرى، كما كنت أتألم في السابق، لرؤيتي كيف يمكن لنا أن نسمح لهذا العالم أن يصبح قبيحاً إلى هذا الحد... فأنت تذهب وتقوم بأبحاثك. لكن ذلك يدفعني إلى القلق حول ما أقوم به. فالوضع الذي حاولت تصويره، يشكل نوعاً من الإزاحة والتدمير التدريجي – المخفي غالباً والجامح – لقدرة مجموعة معينة من البشر على البقاء. هذا ما أشاهده بأم عيني هنا. الاغتيالات، والصواريخ، وإطلاق النار على الأطفال، كلها جرائم وحشية – لكنني أخشى من أن تركيزي على هذه الأشياء سيفقدني القدرة على استيعاب سياقها.... عندما تنعدم كافة وسائل البقاء في منطقة (غزة) لا يستطيع الناس الخروج منها، أعتقد أن ذلك يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية. وحتى لو استطاعوا الخروج، أعتقد أن الأمر لا يزال يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. ربما يمكنكم البحث عن تعريف الإبادة الجماعية تبعاً للقانون الدولي...

عندما أعود من فلسطين، ربما ستنتابني الكوابيس وسوف أشعر بالذنب على الدوام لأنني لست هنا، لكن بمقدوري أن أقننَ ذلك في نشاط أكبر. كان مجيئي إلى هنا أحد أفضل الأشياء التي قمت بها في حياتي كلها. فعندما أبدو كمجنونة، أو إذا حنث الجيش الإسرائيلي بوعده العرقي ألا يؤذي البيض، أرجوكم أن ترجعوا السبب إلى حقيقة تواجدي في قلب إبادة جماعية أقوم أنا أيضاً بدعمها بشكل غير مباشر، وتتحمل حكومتي مسؤولية كبيرة عنها.»

 

28 شباط/فبراير:

«أعتقد أن تحقيق فلسطين حرة يمكن أن يشكل مصدرَ أملٍ كبير للشعوب المناضلة في كافة أنحاء العالم. كما أعتقد أنها ستشكل مصدرَ إلهام كبير للشعوب العربية في الشرق الأوسط، الذين يناضلون في ظل أنظمة قمعية تدعمها الولايات المتحدة.

أتطلع إلى المقاومة العالمية الموجودة الآن والتي تعمل على تخصيب تحليل كافة المسائل والمواضيع، مع نشوء حوار بين مجموعات مختلفة من البشر.

أتطلع إلينا كلنا، نحن الذين نخوض هذه التجارب للمرة الأولى ونطور مهاراتنا للعمل في بُنى ديمقراطية ونتعافى من عرقيتنا وطبقيتنا وتمييزنا بين الناس على أساس جنسي وعلى أساس السن والقدرة لنصبح أكثر فاعلية.»