المخرج بشار الدهان لـ«قاسيون»: الدراما ليست سحراً إنها واقعنا
بعد أن استكملت قاسيون ملف خلف الكاميرا، الذي سلطت فيه الضوء على مهن متعددة وفنيين ورموز هامة في الدراما، لعبوا دوراً مهماً في إنجاح الأعمال التلفزيونية وصولاً إلى الممثل، الذي يقف أمامها» ليقوم المخرج بلملمة كل ذلك وتتويجه في عمل فني. التقت المخرج بشار الدهان وتحدث عن عمله كمخرج:
كيف يتم إنجاز خلق العمل الفني؟
السيناريو المكتوب على الورق نترجمه بصرياً، نقلبه من لغة أدبية إلى بصرية كالمرآة، بالتعاون مع جميع الاختصاصات الفنية من تصوير، إضاءة، صوت، موسيقى إلى أن يخلق العمل الإبداعي بغرفة المونتاج.
أدوات المخرج متعددة لا تحصى، ولكن يفترض به اختيار الإداة المناسبة في الوقت المناسب، وعندما يتمكن من أدواته، يكون عنده إبداع آني ولحظي أثناء التصوير، فالإضاءة الجميلة أو الديكور ليست مسحة جمالية، وإنما كيف استخدم الإضاءة لأغناء الدراما وخدمتها.
نحن كمخرجين ندرس أكاديمياً منهاج التمثيل أيضاً، لكي نعرف ماذا نطلب من الممثل، فالممثل يؤدي بخصوصيته ولكن برؤى المخرج، العلاقة بين الممثل والمخرج هامة جداً، فيها جانب من الإحتواء من المخرج، فمهمتي كمخرج ليس نسف الممثل بل توجيهه، وليس مطلوباً من المخرج أن يصبح موسيقياً أو عازفاً ولكنه يستخدم الموسيقي ليعطيه الحس الذي يريده ويطلبه.
وقد صنفت الحواس لحواس عليا وحواس دنيا: العليا البصر والسمع، وهي التي يعمل عليها المخرج ًأما الدنيا (الشم والذوق واللمس) فلا يقترب منها.
في السينما، ثلاث معادلات يجب أن تتحقق لكي تكلل جهود العاملين بالنجاح: وهي سوسيولوجيا، وسيميولوجيا، وسيكولوجيا الفيلم. وهذا ينطبق على الدراما أيضاً.
هل تلعب الدراما دوراً اجتماعياً؟
الدراما لها دور اجتماعي هام، فمن خلال الدراما التلفزيونية ندخل البيوت دون استئذان، وهو ما يوجب علينا احترام المشاهد وذوقه. وإحدى مهامنا الإرتقاء بالمشاهد، لا تخفيض مستواه كما فعلت بعض الأعمال التي نزلت بالمشاهد للحضيض. لا يقتصر دورنا على نقد المجتمع، بل التواصل مع المجتمع والتوافق معه على حلول لا نمتلكها ولا نصنعها وحدنا بالنتيجة. وصحيح أن للأعمال التجارية مشاهدين كثراً ولكن جذورها سطحية.
المخرج والكاتب أهم دور بالدراما هو عرض المشاكل الاجتماعية بغرض الوصول إلى حل وليس تقديم الحل.
ما دور الدراما كجزء من الإعلام خاصة في الأزمة؟
كنت أحضر مهرجان للسينما فكان مع أحد الوفود شخص ليبي، قال أن الأعمال السورية عملت ألفة بين الناس وفي البيوت، لأن الأب مثلاً، يجلس مع ابنته لحضور مسلسل، مما يعني أنها احترمت طبيعة المشاهد العربي. وهناك أعمال لا أريد ذكرها، لا تلتزم بذلك.
في الأزمات: الدراما ليست سحراً بل هي نابعة من واقع هو واقعنا وعند تجسيد أي أزمة درامياً ستكون رسالتي واضحة لأنها خارجة من المجتمع. الدراما يمكن أن تحكي عن الأزمة ويمكن أن تأزمها أيضاً، وتزيد حجمها. وأتساءل أين المثقفين من ثقافة القتل وقتلة الفكر.
الأعمال التاريخية تقدم رؤى، ولا تحكي تاريخاً فقط، والأعمال الاجتماعية تعرض مشاكل اجتماعية، وكما قلتُ سابقاً مهمةالمخرج مع الكاتب ليست إعطاء حلول بل إيضاح أين يكمن الخلل والإشكال. وهم يخالفون المنتجين الذين يفكرون أولاً بالمردود المادي. قد يكون هذا صحيح ولكن ليس على حساب المشاهد إضافة أن هناك دخلاً وطنياً تقدمه الدراما، ويمكن أن تكون صناعة رافدة للدخل الوطني، لم تستفد منها البلد مادياً، لأن أغلبية الإنتاجات الضخمة تمويل خليجي العائدات تعود لهم، مثلاً مسلسل أبو الطيب المتنبي الذي ساهمت بإخراجه، كان إنتاج تلفزيون أبو ظبي!! وكثير من الأعمال الضخمة التاريخية كانت إنتاج خليجي، والمردود المادي لم يكن لنا رغم أنها نفذت بكوادر سورية وذات كفاءات عالية والمثال الذي أذكره دائماً هنا هو أمريكا خسرت حرب فيتنام ولكنها حققت عوائد بمليارات الدولارات من خلال الأفلام التي أنتجتها عن هذه الحرب..
وهذه غلطة يرتكبها منتجونا بأهتمامهم الشديد بالتسويق الخليجي، واعتباره أهم سوق حالي، وأنا ضد هذه الفكرة التي وصلت ببعض المنتجين لأن يتعاملوا مع الممثل حسب شعبيته في الخليج وليس حسب إمكانياته ومقدرته. التلفزيون السوري أيضاً ليس عاجزاً عن إنتاج أعمال ناجحة ولكن عنده ضعف بالتسويق، لهذا السبب اتبع سياسة الإنتاج المشترك بينه وبين القطاع الخاص لأن القطاع الخاص عنده تجربة في التسويق.
وقد سُئلت مرة: ما رأيك بفورة الدراما السورية؟ فكان جوابي، أن مجرد تسميتها فورة، فهذا يعني أن عمرها قصير وهي خليقة ظروف محددة تنتهي بانتهائها، ولكن إذا تحولت إلى نهضة فستكون نابعة من أسس، ولذلك أتمنى على المخرجين والمنتجين أن ينهضوا فيها.
رقابياً هناك تساهلات كثيرة خاصة في السنوات الأخيرة فقط أن لا يكون فيها إساءة اجتماعية مباشرة. ولكن المشكلة بالتوجهات، وأن نثق بمواطننا لأنه يملك القدرة على التقييم ومعرفة العمل الجيد والسيء.
وأريد أن أوجه رسالة من خلالكم: أيها المنتجون بلدنا أولاً وبلدنا ثانياً وبلدنا ثالثاً.